خلقنا لأحداث الليالي فرائسا تزف إلى الأجداث منا عرائسا تجهز منا للقبور عساكرا
وتردف أعواد المنايا فوارسا إذا أمل أرخى لنا من عنانه
غدا أجل عما نحاول حابسا أرى الغصن لما اجتث وهو بمائه
رطيبا وما أصبح الغصن يابسا نشيد قصورا للخلود سفاهة
ونصبر ما شئنا فتورا دوارسا وقد نعت الدنيا إلينا نفوسنا
بمن مات منا لو أصابت أكايسا لقد ضربت كسرى الملوك وتبعا
وقيصر أمثالا فلم نر قائسا نرى ما نرى منها جهارا وقد غدا
هواها على نور البصيرة طامسا وقد فضح الدنيا لنا الموت واعظا
وهيهات ما نزداد إلا تقاعسا
[ ص: 414 ] غيره :
أبدا تفهمنا الخطوب كرورها ونعود في عمه كمن لا يفهم
تلقى مسامعنا العظات كأنما في الظل يرقم وعظه من يرقم
وصحائف الأيام نحن سطورها يقرا الأخير ويدرج المتقدم
لحد على لحد يهال ضريحه وبأعظم رمم عليها أعظم
من ذا توقاه المنون وقبلنا عاد أطاحهم الحمام وجرهم
والتبعان تلاحقا ومحرق والمنذران ومالك ومتمم
كأنك بما يزعج ويروع ، وقد قلع الأصول وقطع الفروع ، يا نائما إلى كم هذا الهجوع ، إلى متى بالهوى هذا الولوع ، أينفعك وقت الموت الدموع ، كم لك إلى التقى عند النزع نزوع ، هيهات لا ينفع الذل إذا والخضوع ، يقول فرقوا المال فالعجب لجود المنوع ، هذا وملك الموت يسلها من بين الضلوع ، رشقك سهم المنون فما أغنت الدروع ، وأتى حاصد الزرع وأين الزروع ، وخلت منك المساكن وفرغت الربوع ، وناب غراب البين عن الورقاء السجوع ، وتمنيت أن لو زدت من سجود وركوع ، فاحذر مكر العدو ولا تقبل قول الخدوع .
ضيعت وقتك فانقضى في غفلة وطويت في طلب الخوادع أدهرا
أفهمت عن هذا الزمان جوابه فلقد أبان لك العظات وكررا
عاينت ما ملأ الصدور مخافة وكفاك ما عاينته من أخبرا
يا عجبا كيف أنس بالدنيا مفارقها ، وأمن النار واردها ، كيف يغفل من لا يغفل عنه ، كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره ، كيف يلهو من يقوده عمره إلى أجله وحياته إلى موته .
إخواني : الدنيا في إدبار ، وأهلها منها في استكثار ، والزارع فيها غير التقى لا يحصد إلا الندم .
قال لقمان لابنه : يا بني لكل إنسان بيتان : بيت شاهد وبيت غائب ، فلا يلهينك بيتك الحاضر الذي فيه عمرك قليل عن بيتك الغائب الذي عمرك فيه طويل .
إخواني : أنفاس الحي خطاه إلى أجله وربما أورد الطمع ولم يصدر يا من يفنى ببقائه ويسقم بسلامته ويؤتى من مأمنه تيقظ ، الجد الجد قبل بغتات المنايا ومجاورة أهل البلى ، ليحلن بكم من الموت يوم ذو ظلم ينسيكم معاشرة اللذات والنعم ، ولا يبقي في الأفواه إلا طعم الندم .
[ ص: 415 ]
سل بالزمان خبيرا إنه به لعليم
داعي الأمانة ظاعن بالمرء وهو مقيم
ووراء ضيق حياته نفس وليس يدوم
يا سادرا في غيه حتام أنت مليم
لا تخدعن بمنية أم الخلود عقيم
حتام يجذبك المشيـ ـب بكفه وتهيم
وإذا المنية أبرقت فرجاؤك المهزوم
عشق البقاء وإنما طول الحياة هموم
أين الذين ملكوا الدنيا ونالوا ، زالوا سبقوك يا هذا إلى ما إليه آلوا ، أين المغرورون بالآل آلوا إلى الشتات ، أين المسرورون بالمال مالوا إلى الكفات ، غلق رهن أعمالهم ، وما علقوا إلا بالوبال ، وصارت آصارهم في مصيرهم كالجبال ، فندموا إذ لا ندم ينفع ، وندبوا على المصاب ولكن بعد المصرع ، وتجرعوا كؤوس البأس من كل مطمع وضربوا بسيوف من الحسرات إذ تهز تقطع .
ظل من الدنيا تقلص زائلا ومنى يذاق على جناها العلقم
ما هذه الآمال إلا رقدة فيها بأضغاث الأماني نحلم
والكل في رق الفناء وإنما للنائبات معرض من يهرم
أبدا تفهمنا الخطوب كرورها ونعود في عمه كمن لا يفهم
تلقى مسامعنا العظات كأنما في الظل يرقم وعظه من يرقم
وصحائف الأيام نحن سطورها يقرا الأخير ويدرج المتقدم
لحد على لحد يهال ضريحه مع أعظم رمم عليها أعظم
من ذا توقاه المنون وقبلنا عاد أطاحهم الحمام وجرهم
والتبعان تلاحقا ومحرق والمنذران ومالك ومتمم
وممالك منعت بها أربابها فتجبروا ثقة بها وتعظموا
سلبوا ثياب الخنزوانة عنوة فهووا وشامخ عزهم متهدم
[ ص: 416 ]