يا صاح إن كنت لبيبا حازما فكن لأسباب الهوى مراغما وإن أردت أن تفوز في غد
فكن تقيا واهجر المحارما لا تهو دنياك فإن حبها
رأس الخطايا يكسب المآثما غدارة فكل من حلت له
لا بد أن تذيقه العلاقما وإنها تخدم من أهانها
كما تهين من أتاها خادما فكن بها مثل غريب مصلح
أزواده على الرحيل عازما فإنما عمر الفتى سوق له
يروح عنها خاسرا وغانما يا عجبا لمعشر أتتهم
الدنيا فلم يبنوا بها المكارما ولا شروا مع علمهم زوالها
بها جنانا ونعيما دائما إياك والتسويف فالعاقل من
ينجز ما كان عليه عازما وإنما الموت مغير هائل
أعظم به على النفوس هاجما والقبر إما روضة للمتقي
أو حفرة النار تصيب الظالما يا لهفتي من اشتقاق حفرتي
ومحشري إلى الحساب راغما وموقفي أسأل عما قد جنت
يداي من سوء فأبقى واجما وحين يأتيني كتابي فأرى
فيه الذي أتيته مكاتما فإن يناقشني فعبد هالك
وإن عفا نجوت منها سالما
إخواني : هذا شهر رجب قد رحل أكثره وبان ، ونور شعبان قد لاح وبان ، وقد سار [ ص: 438 ] إلى ديار الفوز ركبان ، وأقدم الشجاع وولى الجبان ، هذا الشهر الأصم يؤذنكم بإقلاعه ويخبركم برحيله ووداعه ، فأيكم ودعه وقد أودعه ما ينفعه غدا ، وأيكم داوم المعاصي فلم يقلع حتى غدا ، ويل لمن ذهب عنه شهر رجب وانصرم وهو في عداد من هجر الهدى وصرم ، كيف يرجو الفضل والكرم من اجترم وما احترم .
أكثر هذا الشهر قد مضى وتولى عنكم معرضا ، وباقيه قد نادى للتوبة معرضا ، فاحذروا أن يفوتكم الغفران مع الرضا . أين من استدرك باقي ساعاته وقضى ، وطالب نفسه بالإنابة واقتضى ، أين من خاف لهب السعير وحر لظى ، فبادر إلى ما يؤثر من الخير ويرتضى ، أين من جرد سيف التوبة على الخطايا وانتضى ، قبل أن يعود بعد التحريض حرضا .
آه لأوقات مضت من رجب لا سبيل إلى رجوعها ، وأهلا بنفوس صبرت فيه على عطشها وجوعها ، ويا أسفا لأعمال ما يقبل شيء من مرفوعها ، ولأصوات ردت لعدم صدق مسموعها .
إخواني : فارقوا خطاياكم قبل مفارقته ، وسابقوا بالتوبة رحيله قبل مسابقته ، واعلموا أن الأوقات عليكم شاهدة بما هي منكم مشاهدة . فالحذار الحذار أن يفوت وقت الاقتدار ، فما زالت الدنيا تخدع وتغر ثم ترحل وتمر .
غنتك دنياك الخلوب وحبها في الكف عود
أما إساءتها فقد كانت وحسناها وعود
لغربان الموت على ديارنا نعيب ، ونحن نحرص على ما لطالبه نعيب ، الخلق بأسرهم في قبضة التلف أسرى ، وما يعدونه أرباحا يعود غدا خسرا ، سيف المنون ما ينبو ولا يقنع ، وبطن الأرض يأكل الخلائق وما يشبع .
إخواني : لا للموت بالاستعداد تنتظرون ، ولا بالقلوب في الذكر تحضرون ، وكأنكم للتلف تأمنون أو بالوعيد ما تؤمنون ، أما علمتم أنكم ترحلون ، أما ترون الأقران أين ينقلبون ، كأننا والله بنا إذ قدمنا وقد ندمنا ، ووضع الحساب وقدمنا ، وطلبنا ما يرضي من العمل فعدمنا ، وربح المتقون بالتقى وحرمنا ، وأقمنا لقراءة الصحف فلما فهمنا همنا ، فرحم الله عبدا استدرك بقية هذا الشهر فربما لا يرى مثله في الدهر ، قبل أن يؤخذ بشدة القهر ويحاسب على فعل السر والجهر .
واعلموا أن اليوم السابع والعشرين منه يوم معظم .
أخبرنا أبو الحسن الأنصاري ، أنبأنا عبد الله بن علي الأبنوسي ، أنبأنا عبد الملك بن [ ص: 439 ] عمر البزار ، أنبأنا حدثنا أبو حفص بن شاهين ، أحمد بن عبد الله البزار ، حدثنا علي بن سعيد الرقي ، حدثنا ضمرة ، عن ابن أبي شوذب ، عن عن مطر الوراق ، شهر بن حوشب ، عن قال : " أبي هريرة من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهرا " . وهو اليوم الذي نزل فيه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وأول يوم هبط فيه .