المجلس الرابع
في ذكر فضائل شعبان
الحمد لله أحق من شكر وأولى من حمد ، وأكرم من تفضل وأرحم من قصد ، المعروف بالدليل وبالدليل عبد ، القديم لم يولد ولم يلد ، أحاط علما بالمعلومات وحواها ، وأنشأ المخلوقات بالقدرة وبناها ، وأظهر الحكم في الموجودات إذ براها ، ومن يتيح حكمها لما رآها فلينظر بالفهم وليفتقد ، تعرف إلى خلقه بالبراهين الظاهرة ، وأظهر في مصنوعاته العجائب الباهرة ، وتفرد في ملكه بالقدرة القاهرة ، ووعد المتقين الفوز في الآخرة ، فالبشرى للموعود بما وعد . تعالى أن يشبه ما صنعه وأن يقاس بما جمعه ، سبحانه لا وزير له ولا شريك معه ، نادى موسى ليلة الطور فأسمعه ، فاعلم هذا واعتقد وتمسك بالكتاب والسنة ولا تمل عنهما وسلم إليهما وتسلم العلم منهما ولا تنطق برأيك وظنك فيهما ، هذا مذهب أهل السنة لا تنقص ولا تزد .
أحمده حمدا إذا قيل صعد ، وأصلي على رسوله محمد خير مولود ولد .
عن قال : " أبي سلمة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر من السنة أكثر من صيامه من شعبان كان يصومه كله " . عائشة : حدثتني
أخرجاه في الصحيحين .
وفيهما قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان " . عائشة من حديث
وفي لفظ انفرد به قالت : كان يصومه إلا قليلا . مسلم
أخبرنا محمد بن ناصر بسنده عن قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان ، ولم يكن يصوم شهرا تاما إلا شعبان ، فإنه كان يصومه كله ، فقلت : عائشة
[ ص: 445 ] يا رسول الله إن شعبان لمن أحب الشهور إليك أن تصومه . فقال : " نعم يا عائشة ، إنه ليس من نفس تموت في سنة إلا كتب أجلها في شعبان ، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي وعمل صالح " .
قال : قلت يا رسول الله رأيتك تصوم في شعبان صوما لا تصومه في شيء من الشهور إلا في شهر رمضان ، قال : " ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب وشهر رمضان ترفع فيه أعمال الناس ، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم " . أسامة بن زيد ، وعن
واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات ، فإذا ثابر عليها طالب الفضل دل على حرصه على الخير . ولهذا فضل شهود الفجر في جماعة لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت ، وفضل ما بين العشاءين وفضل قيام نصف الليل ووقت السحر .
عن قالت : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناس يصومون رجبا فقال : " فأين هم عن صيام شعبان " . عائشة
قالت لؤلؤة مولاة عمار : كان عمار يتهيأ لصوم شعبان كما يتهيأ لصوم رمضان . وكان إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن في شعبان ورمضان . عمرو بن قيس الملائي
وعن الحسن بن سهيل ، قال : قال شعبان : يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي ؟ قال : جعلت فيك قراءة القرآن .
وقد ذكرنا في حديث أن الآجال تكتب في شعبان .
وعن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل ينكح ويولد له ولقد خرج اسمه في الموتى " .
فهذا الحديث وحديث لم يعين فيهما متى يكون ذلك من شعبان وقد روي عائشة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليلة النصف من شعبان تنسخ فيها الآجال والأرزاق . عائشة
[ ص: 446 ] وقال أبو هريرة ، إذا كان هلال شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة يقبض من فيها إلى شعبان من قابل ، فإن الرجل ليغرس الغرس ويبني البنيان وينكح ويولد له ويظلم ويفجر وما له في السماء اسم وما اسمه إلا في صحيفة الموتى إلى أن يأتي يومه الذي يقبض فيه أو ليلته .
فيا أيها الغافل تنبه لرحيلك ومسراك ، واحذر أن تستلب على موافقة هواك ، انتقل إلى الصلاح قبل أن تنقل ، وحاسب نفسك على ما تقول وتفعل ، ولا تغفل عن التدارك الله الله لا تفعل .