[ ص: 516 ] المجلس الحادي عشر
في عرفة ذكر يوم
الحمد لله الذي لهيبة عظمته تحرك الساكن وارتج ، ولعظيم قدرته التطمت أمواج البحر وثج ، ومن يسير بلائه استغاث الشديد الصبر وضج ، وإلى كثير عطائه قطع قاصدوه العميق الفج ، الذي أظهر في شهركم هذا من دماء القرابين السفح والشج ، وأحب من أكثر الدعاء فيه وألح ولج ، وسماه ذا الحجة وشرع فيه إلى بيته الحج ، الذي استدعى من شاء إلى زيارة بيته العتيق ، وحرك عزم القاصد وأعانه بالتوفيق ، وسهل للسالكين إلى حرمه مستوعر الطريق ، ووعد الطائعين القبول وهو بإنجاز الوعد خليق ، وأزعج قاصديه عن مساكنهم وأخرجهم من أماكنهم بالتشويق ، فرضوا من أهلهم وفريقهم بالبعاد والتفريق ، وسارت بهم الأينق عن الربع الأنيق ، وجدت بهم النجائب من كل بلد سحيق ، فأقبلوا بين ماش على قدميه استسعاه يقين الصديق وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق .
أحمده حمد موقن آمن به وعرفه ، وأشكره على إدراك ذي الحجة ويوم عرفة ، وأشهد له بنفي المثل في الذات والصفة ، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالرحمة وبالرأفة وصفه ، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه الذي حالفه وما خالفه ، وعلى أبي بكر الصديق الذي رفض الدنيا أنفة ، وعلى عمر الذي جهز جيش العسرة وأسعفه ، وعلى عثمان الذي ما أشكل علم إلا وكشفه ، وعلى عمه علي الذي عظم الله بيته وشرفه . العباس
عباد الله : إن يومكم هذا يوم قد عظم الله أمره ورفع على الأيام قدره .
وقد روينا أن الله تعالى أقسم به فقال : والشفع والوتر فذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عرفة " وروى " الشفع يوم النحر والوتر يوم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى : أبو هريرة وشاهد ومشهود قال : الشاهد والمشهود يوم عرفة .
[ ص: 517 ] ومن فضائله أن الله عز وجل أنزل فيه : اليوم أكملت لكم دينكم .
أخبرنا بسنده عن هبة الله بن محمد قال : جاء رجل من اليهود إلى طارق بن شهاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ، قال : وأي آية هي ؟ قال : قوله تعالى : عمر اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا قال : فقال رضي الله عنه : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نزلت عشية عمر عرفة يوم جمعة . أخرجاه في الصحيحين .
ومن فضائله أن الله تعالى يباهي بالحاج فيه ملائكته ويعم بالغفران .
أخبرنا سعد الخير بن محمد ، عن يونس بن يوسف ، عن ، قال : قالت ابن المسيب رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : عائشة عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء . ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم
انفرد بإخراجه . مسلم
أخبرنا إسماعيل بن أحمد بسنده عن عن أبي الزبير جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما من يوم أكثر عتيقا من يوم إذا كان يوم عرفة " .
أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ بسنده عن أيوب عن ، عن أبي الزبير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن عبد الله عرفة ينزل الله عز وجل فيه إلى السماء الدنيا فيقول الله تعالى للملائكة : انظروا إلى عبادي هؤلاء شعثا غبرا جاؤوني من كل فج عميق ضاجين يسألوني رحمتي ولم يروني ويتعوذون بي من عذابي ولم يروني ، فلم ير يوم أكثر عتيقا ولا عتيقة منه ، ولا يغفر الله فيه لمختال " . " إن عشية
أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال أخبرنا أبو الغنائم بن أبي عثمان بسنده عن الصباح [ ص: 518 ] ابن موسى ، عن أبي داود الشعبي عن رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ابن عمر عرفة في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا غفر له ، فقال رجل : لا يبقى أحد يوم لأهل معرف يا رسول الله أم للناس عامة ؟ قال : لا بل للناس عامة .
فأما ثواب صائميه فأخبرنا بسنده عن ابن الحصين عن عبد الله بن معبد أن أبي قتادة عرفة ؟ فقال : " كفارة سنتين " . صوم يوم رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن
وأخبرناه عاليا عبد الرحمن الأنماطي بسنده عن عن عبد الله بن معبد أن أبي قتادة انفرد بإخراجه رجلا قال : يا رسول الله أرأيت صيام يوم عرفة ؟ قال أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية . ، وفي لفظ : مسلم " . إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده
أخبرنا بسنده عن هبة الله بن محمد عن حماد بن سلمة أن عطاء الخراساني عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على رضي الله عنها يوم عائشة عرفة وهي صائمة والماء يرش عليها فقال لها : أفطري ، فقالت أفطر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن صوم يوم عبد الرحمن عرفة يكفر العام الذي قبله " .
واعلم أن صومه مستحب لغير الحاج ، فأما الحاج فلا يستحب له صومه ليتقوى على الدعاء ولكونه ضيفا لله تعالى . فأما ما يختص بالذكر فيه فمنه التكبير عقيب الصلوات المفروضات فابتداؤه في حق المحل : صلاة الفجر يوم عرفة ، وفي حق المحرم صلاة الظهر من يوم النحر ، ويجتمعان في صلاة العصر آخر أيام التشريق ، وصفة التكبير شفع : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد .
ومن الأذكار ما أخبرنا به أبو الفتح بن أبي القاسم بسنده عن حماد بن أبي حميد ، عن عمران بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " . " خير الدعاء يوم
[ ص: 519 ] وقد رويت صلاة ليوم عرفة ليس فيها شيء يصح ولا يثبت فلذلك تنكبنا .
وكان رضي الله عنهما يحيي ليلة النحر وقد ذكرنا في فضل إحيائها حديثا فيما تقدم . ابن عمر
واعلموا أن يوم عظيم قال صلى الله عليه وسلم : يوم النحر " أفضل الأيام عند الله عز وجل يوم النحر ثم يوم النفر " .
وقد سبق ذكر آداب العيد وما يفعل في يوم النحر : أن لا يأكل حتى يفرغ من الصلاة وأن يضحي من أمكنه .
وفي حديث رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأضحية عائشة " إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا " .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بكل شعرة حسنة " وقال صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها : " قومي إلى أضحيتك فاشهديها فإن لك بكل قطرة من دمها أن يغفر الله لك ما سلف من ذنوبك ، فقيل له : هذا لفاطمة لآل محمد خاصة ؟ قال بل هي لآل محمد وللناس عامة " .
أنبأنا أحمد بن علي بن المجلي بسنده عن عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجراح ، قال قرئ على أبي القاسم بن زيد وأنا أسمع قيل له : حدثكم عمرو بن النضر الغزال ، عن عصمة ، عن أنه قال " أول قطرة من دم الأضحية كفارة لأربعة آلاف خطيئة " . أبي جعفر
ومن شرف يوم النحر أن الله سبحانه وتعالى ابتلى به الخليل بذبح ولده ، وقد ذكرنا القصة في أول الكتاب .