قوله تعالى : فذكر بالقرآن أي فعظ به ، قال بعض السلف : من لم يعظه القرآن ولا الشيب فلو تناطحت بين يديه الجبال ما اتعظ ! .
يا ذا النفس اللاهية ، تقرأ القرآن وهي ساهية ، أما لك ناهية في الآية الناهية ، كم خوفك القرآن من داهية ، أما أخبرك أن أركان الحياة واهية ، أما أعلمك أن أيام العمر متناهية ، أما عرفك أسباب الغرور كما هيه ؟ .
قد يرعوي المرء يوما بعد هفوته ويحكم الجاهل الأيام والعبر والعلم يجلي العمى عن قلب صاحبه
كما يجلي سواد الظلمة القمر والذكر فيه حياة للقلوب كما
يحيي البلاد إذا ما ماتت المطر لا ينفع الذكر قلبا قاسيا أبدا
وهل يلين لقول الواعظ الحجر والموت جسر لمن يمشي على قدم
إلى الأمور التي تخشى وتنتظر [ ص: 88 ] فهم يجوزون أفواجا وتجمعهم
دار إليها يصير البدو والحضر لا يلبث الشيء أن يبلى إذا اختلفت
يوما على نقصه الروحات والبكر وكل بيت خراب بعد جدته
ومن وراء الشباب الموت والكبر بينا يرى الغصن لدنا في أرومته
ريان صار حطاما جوفه نخر كم من جميع أشت الدهر شملهم
وكل شمل جميع سوف ينتشر أبعد آدم ترجون البقاء وهل
تبقى فروع لأصل حين ينقعر لكم بيوت بمستن السيول وهل
يبقى على الماء بيت أسه مدر إلى الفناء وإن طالت سلامتهم
مصير كل بني أم وإن كثروا والمرء ما عاش في الدنيا له أمل
إذا انقضى سفر منهما أتى سفر لها حلاوة عيش غير دائمة
وفي العواقب منها المر والصبر إذا قضت زمر آجالها نزلت
على منازلها من بعدها زمر وليس يزجركم ما توعظون به
والبهم يزجرها الراعي فتنزجر ما لي أرى الناس والدنيا مولية
وكل جيل عليها سوف ينبتر لا يشعرون بما في دينهم نقصوا
جهلا وإن نقصت دنياهم شعروا
كتب إلى زر بن حبيش لا يطمعنك في طول الحياة ما ترى من صحة بدنك واذكر قول الأول : عبد الملك بن مروان :
إذا الرجال ولدت أولادها وبليت من كبر أجسادها
وجعلت أسقامها تعتادها تلك زروع قد دنا حصادها
كان يقول : أما بعد ، فأعد زادك وجد في جهازك ، وكن وصي نفسك . الربيع بن خثيم
وكان إذا جن عليه الليل لا ينام ، فتناديه أمه : ألا تنام ؟ فيقول : يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له أن لا ينام ! .
فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر قالت : يا بني لعلك قتلت قتيلا ! فقال : نعم يا أماه ، فقالت : ومن هذا القتيل ، فلو علم أهله ما تلقى من البكاء والسهر لرحموك ، فقال : هي نفسي ! .
[ ص: 89 ] وقالت له ابنته : يا أبت ألا تنام ؟ فقال : يا بنية إن جهنم لا تدعني أنام ! .
أيها الغافل زاحم أهل العزم وبادر ، فكأن قد نزل بك ما تخاف وتحاذر ، فيختم الكتاب على الرذائل ، ويفوت تحصيل الفضائل فالدنيا منزل قلعة كأنها يوم أو جمعة .
كل حي إلى فناء وما الدا ر بدار ولا المقام مقام
يستوي ساعة المنية في الرتـ ـبة وجد الغنى والإعدام
والذي زال وانقضى من نعيم أو شفاء كأنه أحلام