سجع على قوله تعالى :
فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم
لو رأيت العصاة والكرب يغشاهم ، والندم قد أحاط بهم وكفاهم ، والأسف على ما فاتهم قد أضناهم ، يتمنون العافية وهيهات مناهم ، فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم
نزل بهم المرض فألقاهم كالحرض فانفك أملهم وانقبض ، وانعكس عليهم الغرض ، ورحمهم في صرعتهم من عاداهم فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .
يتمنون عند الموت راحة ، ويشتهون من الكرب استراحة ، ويناقشون على الخطايا ولا سماحة ، فهم كطائر قصر الصائد جناحه ، في حبس النزع والكرب يغشاهم فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .
ويتأسفون وأسفهم أشد ما في العلة ، ويتحسرون وتحسرهم على ما مضى من زلة ، وجبل ندمهم قد شق كأنه ظلة ، فلو رأيتهم بعد الكبر قد صاروا أذلة ، وتملك أموالهم بعدهم سواهم فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .
ما نفعهم ما تعبوا لتحصيله وجالوا ، ولا رد عنهم ما جمعوا واحتالوا ، جاء المرض فأذلهم بعد أن صالوا ، فإذا قال العائد لأهليهم : كيف باتوا ؟ قالوا : إن السقم قد وهاهم وها هم فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .
نزلوا بطون الفلا فلا يقبل عذرهم ، ولا ذو ود ينفعهم ، قد أضناهم بلاء البلى ، فلو رأيتهم في بلاهم وهم في بلاهم فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .
[ ص: 150 ] فالبدار البدار قبل الفوات ، والحذار الحذار من يوم الغفلات ، قبل أن يقول المذنب رب ارجعون فيقال فات ، ويح الغافلين عن عقباهم ما أعماهم فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم .
نبهنا الله وإياكم من هذه الرقدة وذكرنا وإياكم الموت وما بعده إنه قريب مجيب .