سجع على قوله تعالى
إن الأبرار لفي نعيم
ما أشرف من أكرمه المولى العظيم ، وما أعلى من مدحه في الكلام القديم ، وما أسعد من خصه بالتشريف والتعظيم ، وما أقرب من أهله للفوز والتقديم ، إن الأبرار لفي نعيم . وما أجل من أثنى عليه العزيز الرحيم
نعموا في الدنيا بالإخلاص في الطاعة ، وفازوا يوم القيامة بالربح في البضاعة ، [ ص: 192 ] وتنزهوا عن التقصير والغفلة والإضاعة ، ولبسوا ثياب التقى وارتدوا بالقناعة ، وداموا في الدنيا على السهر والمجاعة ، فيا فخرهم إذا قامت الساعة ، وقد قربت إليهم مطايا التكريم إن الأبرار لفي نعيم .
نعموا في الدنيا بالوحدة والخلوة ، واعتذروا في الأسحار من زلة وهفوة ، وحذروا من موجبات الإبعاد والجفوة ، فأولئك هم المختارون الصفوة ، الصدق قرينهم والصبر نديم إن الأبرار لفي نعيم .
حرسهم مولاهم من موجبات الشين ، وحفظهم من جهل وعيب ومين ، وأراهم محجة الهدى رأي العين ، وأزال في وصالهم قاطع الجفاء وعارض البين ، وكمل لهم جميع المآثر كمال الزين ، وكشف عن قلوبهم أغطية الهوى وحجب الغين ، فقاموا بالأوامر على غاية الوفا في قضاء الدين ، واعتذروا بعد الأذى وقبل الغريم إن الأبرار لفي نعيم .
طال ما تعبت أجسامهم من الجوع والسهر ، وكفت جوارحهم عن اللهو والأشر ، وحبسوا أعراضهم عن الكلام والنظر ، وانتهوا عما نهاهم وامتثلوا ما أمر ، وتقبلوا مفروضاته بالسمع والبصر ، وتغنوا بكلامه والقلب قد حضر ، واستعدوا من الزاد ما يصلح للسفر ، فالخوف يقلقهم فيمنعهم قضاء الوطر ، والعبرة تجري والقلب قد اعتبر ، فيا حسنهم في جوف الليل ووقت السحر ، السر صاف والحال مستقيم إن الأبرار لفي نعيم .
جن الظلام فزمت مطاياهم ، وجاء السحر فتوفرت عطاياهم ، وكثر الاستغفار فحطت خطايهم ، وكلما طلبوا من فضل سيدهم أعطاهم ، فسبحان من اختارهم من الكل واصطفاهم ، وخلصهم بالإخلاص من شوائب الكدر وصفاهم ، فليس المقصود من الخلق بالمحبة سواهم ، أزعجتهم عواصف المخافة فتداركهم من الرجاء نسيم إن الأبرار لفي نعيم .
قصورهم في الجنان عالية ، وعيشهم في القصور صافية ، وهم في عفو ممزوج بعافية ، وقطوف الأشجار من القوم دانية ، وأقدامهم على أرض من المسك ساعية ، وأبدانهم من السندس والإستبرق كاسية ، والعيش لذيذ والملك عظيم إن الأبرار لفي نعيم .
رضي عنهم جبارهم ، وأشرقت برضاه دارهم ، وصفت ببلوغ المنى أسرارهم ، فارتفعت من كل وجه أكدارهم ، ووردت في الجنان أشجارهم ، واطردت تحت القصور [ ص: 193 ] أنهارهم ، وترنمت على الورق أطيارهم ، والملائكة تحفهم وتخصهم بالتسليم ، والعيون تجري من رحيق وتسنيم ، والملك قد وصفهم في الكلام القديم إن الأبرار لفي نعيم .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : أنا ربكم الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي فهذا محل كرامتي ، فاسألوني ما شئتم ، فيقولون : نسألك رضوانك ، فيقول : رضواني أحلكم داري وأدناكم من جواري .
وروينا أن الله تعالى يقول لأوليائه في القيامة : " أوليائي طال ما لمحتكم في الدنيا وقد غارت أعينكم وقلصت شفاهكم عن الأشربة وخفقت بطونكم ، فتعاطوا الكأس فيما بينكم وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية " .