الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
عطاء عن محمد بن مسلم الزهري.

2425 - حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: سمعت عطاء بن أبي مسلم الخراساني، يحدث عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة (ح) وحدثنا عبد العزيز بن سليمان الحرملي الأنطاكي، ثنا يعقوب بن كعب الحلبي، ثنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة، ثنا عطاء الخراساني، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة [ ص: 333 ] ، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، عن عائشة، رضي الله عنها (ح) وحدثنا أحمد بن شعيب النسائي، ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة، عن عطاء الخراساني، عن الزهري، عن علقمة بن وقاص، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى سفر أقرع بين نسائه،  فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، قالت: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، فأنزل فيه، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قفل ودنا من المدينة أذن بالرحيل، فقمت حين أذن بالرحيل، فمشيت حتى إذا جاوزت الجيش لقضاء حاجتي، لمست صدري فإذا عقد لي من أظفار قد انقطع، فرجعت ألتمسه وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يحملون هودجي، فرحلوه على بعيري، وهم يحسبون أنني فيه، وكن النساء إذ ذاك خفافا لم يمتلئن، إنما كنا نأكل العلقة من الطعام، وكنت جارية حديثة السن، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه على بعيري فساروا، فجئت المنزل وليس به منهم داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيرجعون في طلبي، فبينا أنا قاعدة إذ غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش، فأدلج فأصبح في المنزل، فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني وكان رآني قبل أن ينزل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه، فخمرت وجهي، والله ما كلمته ولا سمعت منه غير استرجاعه، حتى أناخ بعيره فركبته، فأتينا الناس في نحو الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول،  قالت: فسرنا حتى قدمنا المدينة، وهو يريبني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أني لا أعرف اللطف الذي كنت أرى منه، إنما يدخل علي فيقول: "كيف تيكم؟" ولا يزيد على ذلك، حتى خرجت قبل المناضع وخرجت معي أم مسطح، وكنا لا نخرج إلا ليلا، إلى ليل، وكنا نتأذى بالكنف نتخذها قريبا من بيوتنا، فأمرنا [ ص: 334 ] أمر العرب الأول، فلما انصرفنا عثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت: وما علمت ما قال: فزادتني مرضا على ما كانت بي، قالت: وكانت أم مسطح بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وكان ابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، قالت عائشة فبكيت ليلتين ويوما حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، قالت: فلما استلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، دعا أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب يستشرهما في فراق أهله، فقال أسامة: يا رسول الله أهلك وما علمنا إلا خيرا، وقال علي: يا رسول الله لم يضيق عليك، النساء كثير سواها، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: "يا بريرة هل رأيت على عائشة شيئا تكرهينه؟" قالت: لا، والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا أغمصه عليها  أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام على عجين أهلها فيدخل الداجن فيأكله، قالت: وقد كانت امرأة أبي أيوب قالت لأبي أيوب: أما سمعت ما يتحدث الناس، فحدثته بقول أهل الإفك،  فقال: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا صالحا ما كان يدخل على أهلي إلا معي" فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك فيه، فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك رجلا صالحا، ولكن أجهلته الحمية، فقال [ ص: 335 ] لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان، حتى هموا أن يقتتلوا، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحجز بينهم، قالت: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي، وقد كانت امرأة من الأنصار دخلت علي فهي تساعدني، فجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، فقال: "أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ببراءتك، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه" فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت جارية حديثة السن، لم أقرأ كثيرا من القرآن، فقلت: والله لئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني ولئن قلت: إني بريئة لا تصدقوني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت: ثم تحولت والله يعلم أني بريئة، وشأني كان أصغر في نفسي من أن ينزل في قرآن، ولكنني كنت أرجو أن يري الله رسوله في منامه رؤيا يبرئني فيها، قالت: فوالله ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذته البرحاء وكان إذا أوحي إليه أخذته البرحاء حتى أنه يتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي، قالت: فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سري عنه، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: "أما الله فقد برأك يا عائشة "  فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 336 ] ، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد على ذلك إلا الله، فأنزل الله عز وجل: إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم إلى قوله ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم وكان أبو بكر ينفق على مسطح لفاقته وقرابته، فلما تكلم بما تكلم به، قال: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا، فأنزل الله عز وجل: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم فقال أبو بكر : أنا أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح مثل ما كان ينفق عليه، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، وكانت هي التي تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسألها فعصمها الله بالورع، فقالت: أحمي سمعي وبصري ما رأيت عليها شيئا يريبني، وكانت أخت زينب حمنة تحاربني، فهلكت فيمن هلك".

التالي السابق


الخدمات العلمية