الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر الذين أخلصوا نيتهم لله ، وشهدوا بيعة الرضوان ، فقال : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا  ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما  وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما  وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا  

                                                                                                                                                                                                                                      لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة يعني : بيعة الحديبية ، وهي تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية ، قال عطاء ، عن ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة ، فلما بلغ الحديبية ، وقفت ناقته ، فزجرها ، فلم تنزجر وبركت ، فقال أصحابه : خلأت الناقة .

                                                                                                                                                                                                                                      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هذا لها بعادة ، ولكن حبسها حابس الفيل "
                                                                                                                                                                                                                                       
                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      ودعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ليرسله إلى أهل مكة ، ليأذنوا له بأن يدخل مكة ، ويحل من عمرته ، وينحر هديه ، فقال : يا رسول الله ، ما لي بها حميم ، وإني أخاف قريشا على نفسي ، ولقد علمت قريش شدة عداوتي [ ص: 140 ] إياها ، ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني ، عثمان بن عفان .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : " صدقت " .

                                                                                                                                                                                                                                      فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فأرسله ، فجاء الشيطان ، وصاح في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوا عثمان بن عفان ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشجرة فاستند إليها ، وبايع الناس على قتال أهل مكة ،
                                                                                                                                                                                                                                       
                                                                                                                                                                                                                                      قال عبد الله بن أبي أوفى : كنا يومئذ ألفا وثلاثمائة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال جابر : كنا ألفا وأربعمائة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال البراء : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر فنزحناها ، فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ وتمضمض ، ودعا ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنا أصدرنا ، فأنشأنا نشرب نحن وركابنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فعلم ما في قلوبهم أي : من الصدق والوفاء ، فأنزل السكينة عليهم يعني : فتح خيبر .

                                                                                                                                                                                                                                      ومغانم كثيرة يأخذونها من أموال يهود خيبر ، وكانت ذات عقار وأموال ، وكان الله عزيزا غالبا ، حكيما في أمره : حكم لكم بالغنيمة ، ولأهل خيبر بالسبي والهزيمة .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر سائر المغانم التي يأخذونها فيما يأتي من الزمان ، فقال : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها قال مقاتل : مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      فعجل لكم هذه يعني : غنيمة خيبر ، وكف أيدي الناس عنكم وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد خيبر ، وحاصر أهلها ، قبائل من أسد ، وغطفان ، أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة ، فكف الله تعالى أيديهم ، بإلقاء الرعب في قلوبهم ، ولتكون الغنيمة التي عجلها الله لكم ، آية للمؤمنين على صدقك ، حيث وعدتهم أن يصيبوها ، ويهديكم صراطا مستقيما يزيدكم هدى ، بالتصديق لمحمد صلى الله عليه وسلم ولما جاء به ، مما [ ص: 141 ] ترون من عدة الله في القرآن بالفتح والغنيمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرى لم تقدروا عليها قال عطاء ، عن ابن عباس : يريد فارس والروم ، وما كانت العرب تقدر على القتال فارس والروم ، وفتح مدائنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام ، قد أحاط الله بها جعلها لكم ، وحواها لكم ، قال الفراء : أحاط الله بها لكم حتى يفتحها عليكم ، كأنه قال : حفظها لكم ، ومنعها عن غيركم ، حتى تفتحوها فتأخذوها .

                                                                                                                                                                                                                                      وكان الله على كل شيء من فتح القرى ، وغير ذلك ، قديرا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية