الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، جاءته النساء يبايعنه، فأنزل الله هذه الآية، وشرط في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط، وهو قوله: أن لا يشركن بالله شيئا فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايعهن وهو على الصفا ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء؛ خوفا أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا. فقالت هند : إنك لتأخذ علينا أمرا، ما رأيناك أخذته على الرجال، وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد [ ص: 287 ] فقط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يسرقن فقالت هند : إن أبا سفيان رجل مسيك، وإني أصبت من ماله هنات، فلا أدري أيحل لي أم لا؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من مالي من شيء، فيما مضى وفيما غبر، فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها، فقال لها: وإنك لهند بنت عتبة ؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال: ولا يزنين فقالت هند : أوتزني الحرة؟ فقال: ولا يقتلن أولادهن فقالت هند : ربيناهم وهم صغار، وقتلتموهم وهم كبار، فأنتم وهم أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر ، فضحك عمر رضي الله عنه حتى استلقى، وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم،
                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون: يعني: الوأد الذي كان يفعله أهل الجاهلية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن قال ابن عباس : لا تلحق بزوجها ولدا ليس منه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : كانت المرأة تلتقط المولود، فتقول لزوجها: هذا ولدي منك، فذلك البهتان المفترى.

                                                                                                                                                                                                                                      بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن المولود إذا وضعته الأم، سقط بين يديها ورجليها، وليس المعنى نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا، فينسبنه على الأزواج؛ لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم، ولما قال هذا، قالت هند : والله إن البهتان لقبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يعصينك في معروف لما قال هذا، قالت هند : ما جلسنا مجلسنا هذا في وقتنا هذا، وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 288 ] فأقرت النسوة بما أخذ عليهن، ومعنى: في معروف في كل أمر وافق طاعة الله، وقال عطاء : في كل بر وتقوى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي ، والمقاتلان: عنى بالمعروف النهي عن النوح، وتمزيق الثياب، وجز الشعر، وشق الجيب، وخمش الوجه، والدعاء بالويل.  

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية الأنصاري ، عن جدته أم عطية ، قالت: قلت: ما المعروف الذي نهيتني عن المعصية فيه؟ قال: النياحة.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو سعيد فضيل بن أحمد الأبيوردي ، أنا أبو علي الفقيه ، نا أبو لبيد محمد بن إدريس ، نا محمود بن غيلان ، نا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية على أن لا يشركن بالله شيئا وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها،  رواه البخاري في كتاب الأحكام عن محمود بن غيلان وقوله: فبايعهن جواب إذا في أول الآية، أي: إذا بايعنك على هذه الشرائط فبايعهن.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية