قوله تعالى: الذين يأكلون الربا يريد: الذين يعاملون به، فنبه بالأكل على ما سواه، كما قال: الذين يأكلون أموال اليتامى .
والربا في اللغة: الزيادة، يقال: ربا الشيء يربو ربا، وأربى الرجل، إذا عامل في الربا.
ومنه الحديث: . "من أجبى فقد أربى"
أي: عامل بالربا.
هذا في اللغة، وأما في الشرع: فهو اسم للزيادة على أصل المال من غير بيع. معنى الربا
[ ص: 394 ] وقوله: لا يقومون يعني: يوم القيامة من قبورهم، إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان .
"التخبط" معناه: الضرب على غير استواء، ويقال للذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه: يخبط خبط عشواء، ومنه قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
إذا مسه بخبل أو جنون، يقال: به خبطة من جنون. وتخبطه الشيطان:وقوله: من المس، المس: الجنون، يقال: مس الرجل فهو ممسوس وبه مس وألس.
وأصله من المس باليد، كأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه، ثم سمي الجنون مسا، كما أن الشيطان يتخبطه برجله فيخبله، فسمي الجنون خبطة.
قال إن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا، وذلك علم لأكلة الربا يعرفهم به أهل الموقف. قتادة:
وقوله ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا أي: ذلك الذي نزل بهم بقولهم هذا واستحلالهم إياه، وذلك أن المشركين قالوا: الزيادة على رأس المال بعد محل الدين كالزيادة بالربع في أول البيع.
وكان أحدهم إذا حل له مال على إنسان قال لغريمه: زدني في المال حتى أزيدك في الأجل.
فكذبهم الله عز وجل فقال: وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه أي: وعظ، قال يعني القرآن. السدي:
فانتهى عن أكل الربا، فله ما سلف أي: ما أكل من الربا، ليس عليه رده.
ومعنى سلف تقدم ومضى، والسلوف: التقدم.
[ ص: 395 ] وأمره إلى الله أي: بعد النهي، إن شاء عصمه حتى يثبت على الانتهاء، وإن شاء خذله حتى يعود، ومن عاد إلى استحلال الربا، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قال هؤلاء الذين قالوا: إنما البيع مثل الربا. أبو إسحاق الزجاج:
ومن اعتقد هذا فهو كافر.
أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن الحسن الحافظ، حدثنا أبو الفضل الشيباني، حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن صفوان، حدثنا محفوظ بن يحيى، حدثنا خالد بن يزيد البجلي، حدثنا حدثنا بيان بن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عامر، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، قال: " لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الربا خمسا: آكله، وموكله، وشاهديه، وكاتبه".
يمحق الله الربا المحق: نقصان الشيء حالا بعد حال، ومنه المحاق في الهلاك، يقال: محقه الله فانمحق وامتحق. قوله:
قال المفسرون: يمحق الله الربا أي: ينقصه ويذهب بركته، وإن كان كثيرا كما يمحق القمر، وقال في رواية ابن [ ص: 396 ] عباس يعني: لا يقبل الله منه صدقة ولا جهدا ولا حجا، ولا صلاة. الضحاك:
ويربي الصدقات أي: يزيد فيها ويبارك عليها، قال عن عطاء، ابن عباس: ويربي الصدقات لصاحبها كما يربي أحدكم فصيله.
أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدثنا حدثنا سهل بن عمار، حدثنا يزيد بن هارون، عباد بن منصور الناجي قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: سمعت يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا هريرة حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد" "إن الله عز وجل يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب، ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم مهره، أو فلوه، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات و يمحق الله الربا ويربي الصدقات .
وقوله: والله لا يحب كل كفار أي: بتحريم الربا لا يصدق الله ورسوله في ذلك، أثيم أي: فاجر بأكله، ومعنى لا يحبه الله: لا يثني عليه، ولا يثيبه، ولا يرضى فعله.
قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات تفسير هذه الآية قد تقدم فيما مضى.
قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا :
[ ص: 397 ] .
أخبرنا أبو بكر التيمي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي، حدثنا حدثني سهل بن عثمان، داود، عن عن ابن جريح، قال: مجاهد كانت ثقيف قد صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن لهم رباهم على الناس وما كان عليهم من ربا فهو موضوع.
وكان بنو عمرو بن عمير يأخذون الربا على بني المغيرة فجاء الإسلام، ولهم عليهم مال كثير، فجاءوا يطلبون الربا من بني المغيرة فرفع ذلك بنو المغيرة، إلى وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل عتاب بن أسيد، عتابا على مكة، فكتب في ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إلى قوله: فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، فكتب بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عتاب ففعلوا ومعنى الآية: تحريم ما بقي دينا من الربا، وإيجاب أخذ المال دون الزيادة على جهة الربا.