الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي رحمه الله، أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي ، نا ابن ماجه ، نا يعقوب بن يوسف القزويني ، نا القاسم بن الحكم العربي ، نا عبيد الله بن الوليد ، قال: نا عطية ، عن أبي سعيد ، قال: لما نزلت هذه الآية: وجيء يومئذ بجهنم تغير لون رسول الله صلى الله عليه وسلم،  وعرف في وجهه حتى اشتد على أصحابه ما رأوا من حاله، فانطلق بعضهم إلى علي رضي الله عنه، فقالوا: يا علي لقد حدث أمر قد رأيناه في النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء علي فاحتضنه من خلفه، ثم قبل بين عاتقيه، ثم قال: يا نبي الله بأبي أنت وأمي ما الذي حدث اليوم؟ قال: جاء جبريل ، فأقرأني: وجيء يومئذ بجهنم قلت: كيف يجاء بها؟ قال: يجيء بها سبعون ألف ملك يقودونها بسبعين ألف زمام، فتشرد [ ص: 486 ] شردة لو تركت لأحرقت أهل الجمع، ثم أتعرض لجهنم، فتقول: ما لي ولك يا محمد ، فقد حرم الله لحمك علي، فلا يبقى أحد إلا قال: نفسي نفسي وإن محمدا يقول: رب أمتي أمتي وقوله: يومئذ يعني: يوم يجاء بجهنم، يتذكر الإنسان يتعظ، ويتوب الكافر، وأنى له الذكرى قال الزجاج : يظهر التوبة، ومن أين له التوبة؟! يقول الكافر: يا ليتني قدمت لحياتي أي: قدمت الخير والعمل الصالح لآخرتي التي لا موت فيها، قال الحسن : علم والله إنه صادق، هناك حياة طويلة لا موت فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد  يعذب عذاب الله أحد من الخلق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يوثق وثاقه أحد من الخلق، أي: لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب والوثاق، والمعنى: لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله الكافر يومئذ، يعني: مثل عذابه، ولا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله الكافر يومئذ، أي: مثل وثاقه، وقرأ الكسائي لا يعذب، ولا يوثق بفتح العين فيهما، وهو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فيما:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرناه أبو نصر المهرجاني ، أنا عبد الله بن محمد الزاهد ، أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثني جدي، نا ابن أبي زائدة ، نا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، قال: أقرأني من أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد والمعنى: لا يعذب أحد تعذيب هذا الكافر إن قلنا إنه كافر بعينه، أو تعذيب هذا الصنف من الكفار وهم الذين ذكرهم الله في قوله: لا تكرمون اليتيم الآيات.



                                                                                                                                                                                                                                      قوله يا أيتها النفس المطمئنة
                                                                                                                                                                                                                                       بالإيمان، المؤمنة، الموقنة، المصدقة بما وعد الله، والطمأنينة: حقيقة الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                      ارجعي إلى ربك هذا عند خروجها من الدنيا، يقال لها: ارجعي إلى الله. راضية بالثواب، مرضية عنك.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عمرو بن أبي عمرو ، أنا جدي، أنا محمد بن إسحاق السراج ، نا قتيبة ، نا جرير ، عن [ ص: 487 ] منصور ، عن مجاهد يا أيتها النفس المطمئنة التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشا لأمره وطاعته.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا عبد الله بن محمد الحافظ ، نا محمد بن أحمد بن أبي يحيى ، نا سعيد بن عثمان ، نا محمد بن حاتم ، عن إبراهيم المكي ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: يا أيتها النفس المطمئنة ، قال: الراضية بقضاء الله الذي قدر الله، فعلمت أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأن ما أخطأها لم يكن ليصيبها.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين الكاتب ، أنا محمد بن أحمد بن شاذان ، أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، نا أبو سعيد الأشج ، نا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال: قرئت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيتها النفس المطمئنة الآية، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن هذا لحسن، فقال: "أما إن الملك سيقولها لك عند الموت"   .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الله بن عمرو : إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عز وجل ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال: اخرجي يا أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان، ورب عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه. وقوله: فادخلي في عبادي أي: جملة عبادي الصالحين المطيعين.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو صالح : فإذا كان يوم القيامة قيل: فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد الإسفراييني ، أنا ابن بطة ، أنا البغوي ، حدثني جدي، نا مروان بن شجاع الجزري ، عن سالم بن الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال: مات ابن عباس ، رضي الله عنهما بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقته، فدخل في نعشه  لم ير خارجا منه، فلما دفن، تليت هذه الآية على شفير القبر، لم يدر من تلاها: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية