الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فلا اقتحم العقبة  وما أدراك ما العقبة  فك رقبة  أو إطعام في يوم ذي مسغبة  يتيما ذا مقربة  أو مسكينا ذا متربة  ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة  أولئك [ ص: 491 ] أصحاب الميمنة  والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة  عليهم نار مؤصدة  

                                                                                                                                                                                                                                      فلا اقتحم العقبة أي: لم يقتحمها ولا جاوزها،  والاقتحام: الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة هاهنا مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس، والهوى، والشيطان في أعمال البر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة، يقول: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام، وهو قوله: وما أدراك ما العقبة أي: ما اقتحام العقبة؟ ثم ذكره، فقال: فك رقبة وهو تخليصها من أسر الرق،  وكل شيء أطلقته فقد فككته، ومنه فك الرهن، وفك الكتاب، ومن قرأ فك رقبة على الفعل، فهو تفسير لاقتحام العقبة بالفعل، كقوله تعالى: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ثم فسر المثل بقوله: خلقه من تراب فكذلك قوله: فك رقبة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الأستاذ أبو طاهر الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص ، نا السري بن خزيمة ، نا أبو نعيم ، نا عيسى بن عبد الرحمن ، عن طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب ، عن عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء بن عازب ، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة،  قال: "إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة" ، فقال: أوليسا واحدا؟ قال: "لا، عتق النسمة، أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم يكن ذلك فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 492 ] 1355 - أخبرنا سعيد بن محمد بن نعيم الإشكابي ، أنا محمد بن عمر بن شكويه ، أنا محمد بن شويف ، أنا محمد بن إسماعيل الجعفي ، نا أحمد بن يونس ، نا عاصم بن محمد ، حدثني واقد بن محمد ، حدثني سعيد بن مرجانة صاحب علي بن حسين ، قال: قال لي أبو هريرة : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل أعتق امرأ مسلما، استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار"  قال سعيد بن مرجانة : فانطلقت به إلى علي بن حسين فعمد إلى عبد له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر ألف دينار فأعتقه.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو منصور البغدادي ، أنا أبو خليفة ، نا الحوضي ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن شرحبيل بن السمط ، أنه قال لكعب بن مرة ، أو مرة بن كعب حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما رجل أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار يجزى مكان كل عظم من عظامها عظم من عظامه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو إطعام في يوم ذي مسغبة  ذي مجاعة، يقال: سغب يسغب سغبا إذا جاع، قال ابن عباس : يريد بالمسغبة الجوع.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق المزكي ، أنا أبو عمرو بن مطر ، نا عبدان الأهوازي ، نا هاشم بن عمار بن واقد ، نا يونس بن ميسرة ، عن أبي إدريس ، عن معاذ بن جبل ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشبع جائعا في يوم سغب أدخله الله عز وجل يوم القيامة بابا من أبواب الجنة، لا يدخله إلا من فعل مثل ما فعل"  وروى جابر بن عبد الله ، أن [ ص: 493 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يتيما ذا مقربة  معناه: ذا قربة، قال مقاتل : يعني: يتيما بينه وبينه قرابة.

                                                                                                                                                                                                                                      أو مسكينا ذا متربة قد لصق بالتراب من فقره، وضره، وروى مجاهد ، عن ابن عباس ، قال: هو المطروح في التراب، لا يقيه شيء. والمتربة مصدر من قولهم: ترب يترب تربا. ومتربة إذا افتقر حتى لصق بالتراب ضرا.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم بين أن هذه القربة، إنما تنفع مع الإيمان، فقال: ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر على فرائض الله وأمره، وتواصوا بالمرحمة بالبر فيما بينهم، والرحمة لليتيم، والمسكين، والضعيف، أي: كان من الجملة الذين هذه صفتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر أن هؤلاء من هم، فقال: أولئك أصحاب الميمنة وقد سبق تفسير أصحاب الميمنة في سورة الواقعة، وكذلك تفسير أصحاب المشأمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عليهم نار مؤصدة مطبقة، يقال: أصدت الباب، وأوصدته إذا أغلقته وأطبقته، لغتان: مهموز وغير مهموز، قال مقاتل : يعني أبوابها عليهم مطبقة، فلا يفتح لهم باب، ولا يخرج منها غم، ولا يدخل فيها روح آخر الأبد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية