الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم. والشمس وضحاها  والقمر إذا تلاها  والنهار إذا جلاها  والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها  والأرض وما طحاها  ونفس وما سواها  فألهمها فجورها وتقواها  قد أفلح من زكاها  وقد خاب من دساها  

                                                                                                                                                                                                                                      والشمس وضحاها الضحى: حين تطلع الشمس فيصفو ضوءها، قال مجاهد ، والكلبي : يعني ضوء الشمس. وقال قتادة : هو النهار كله.

                                                                                                                                                                                                                                      والقمر إذا تلاها تبعها، يقال: تلا يتلو تلوا إذا تبع. قال المفسرون: وذلك في النصف الأول من الشهر، إذا غربت الشمس تلاها القمر في الإضاءة، وخلفها في النور. وقال الزجاج : تلاها حين استدار، فكان يتلو الشمس في الضياء والنور يعني: إذا كمل ضوءه فصار تابعا للشمس في الإنارة، وذلك الليالي البيض.

                                                                                                                                                                                                                                      والنهار إذا جلاها جلى الظلمة وكشفها، وجازت الكتابة عن الظلمة، وإن لم تذكر؛ لأن المعنى معروف.

                                                                                                                                                                                                                                      والليل إذا يغشاها يعني: يغشى الشمس [ ص: 495 ] فيذهب بضوئها، فتغيب وتظلم الآفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      والسماء وما بناها قال عطاء : يريد والذي بناها. قال الكلبي : ومن بناها. وقال الفراء ، والزجاج : ما بمعنى المصدر بتقدير: وبنائها.

                                                                                                                                                                                                                                      والأرض وما طحاها في: ما وجهان كما ذكرنا، والمعنى: وسعها، وبسطها على الماء.

                                                                                                                                                                                                                                      ونفس وما سواها خلقها، وسوى أعضاءها. وقال عطاء : يريد جميع ما خلق من الإنس والجن.

                                                                                                                                                                                                                                      فألهمها فجورها وتقواها قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة : بين لها الخير والشر، وقال في رواية عطية : علمها الطاعة والمعصية، وقال في رواية أبي صالح : عرفها ما تأتي وما تتقي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال سعيد بن جبير : ألزمها فجورها وتقواها. وقال ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور. واختار الزجاج هذا القول، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان، وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام؛ لأن التبيين، والتعليم، والتعريف دون الإلهام يوقع في قلبه، ويجعل فيه، فإذا أوقع الله في قلب عبده شيئا، فقد ألزمه ذلك الشيء، كما ذكره سعيد بن جبير ، وهذا صريح في أن الله تعالى خلق في المؤمن تقواه، وفي الكافر فجوره   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد التميمي ، أنا عبد الله بن محمد الحافظ ، نا جعفر بن أحمد بن سنان ، نا بندار ، نا عبد الرحمن بن مهدي ، نا حماد بن سلمة ، عن حنظلة بن أبي حمزة ، عن سعيد بن جبير : فألهمها فجورها وتقواها قال: ألزمها. يروى هذا مرفوعا إلى ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر الحسن بن علي الواعظ ، أنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثني علي بن عيسى الحيري ، [ ص: 496 ] نا إبراهيم بن أبي طالب ، نا ابن أبي عمر ، نا سفيان ، عن حنظلة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى: فألهمها فجورها وتقواها  قال: ألزمها فجورها وتقواها، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية