الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      إذا زلزلت الأرض زلزالها  وأخرجت الأرض أثقالها  وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها  يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم   [ ص: 542 ] فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره  ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره

                                                                                                                                                                                                                                      إذا زلزلت الأرض زلزالها إذا حركت حركة شديدة، وذلك عند قيام الساعة، تحرك الأرض فتضطرب حتى يتكسر كل شيء عليها، وتخرج كل شيء أدخل فيها  ، وهو قوله: وأخرجت الأرض أثقالها لفظت ما فيها من كنوزها وموتاها، والأثقال: جمع ثقل، والموتى أثقال في بطن الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر أن الكافر ينكر تلك الحالة، فقال: وقال الإنسان ما لها يقول الكافر الذي لم يؤمن بالبعث: لأي شيء زلزالها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى: يومئذ تحدث أخبارها تخبر بما عمل عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الفضل بن أحمد الصوفي ، أنا أبو علي الفقيه ، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إسماعيل السوطي ، نا سلمة بن أحمد بن مجاشع ، نا خالد بن يزيد العمري ، نا شعبة ، عن يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: " يومئذ تحدث أخبارها أتدرون ما أخبارها؟  قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذا أخبارها".

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو نصر المهرجاني ، نا ابن بطة ، أنا أبو القاسم ابن بنت منيع ، حدثني محمد بن إسحاق ، نا أبو الأسود ، أنا ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن ابن رباح ، عن ربيعة الجرشي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "حافظوا على الوضوء، وخير أعمالكم الصلاة، وتحفظوا من الأرض، فإنها أمكم،  وليس فيها أحد يعمل فيها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة به" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بأن ربك أوحى لها قال الفراء : تحدث أخبارها بوحي الله، وإذنه لها. قال ابن عباس : أذن لها لتخبر بما عمل عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      يومئذ يصدر الناس أشتاتا يرجع الناس عن موقف الحساب بعد العرض متفرقين: أهل الإيمان على حدة، وأهل كل دين على حدة، كقوله تعالى: يومئذ يتفرقون و يومئذ يصدعون ، ليروا أعمالهم قال ابن عباس : ليروا جزاء أعمالهم، والمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فرقا، لينزلوا منازلهم من [ ص: 543 ] الجنة والنار.

                                                                                                                                                                                                                                      فمن يعمل مثقال ذرة وزن نملة أصغر ما يكون من النمل، قال مقاتل : فمن يعمل في الدنيا، مثقال ذرة خيرا يره يوم القيامة في كتابه، فيفرح به، وكذلك من الشر يراه في كتابه فيسوؤه ذلك، قال: وكان أحدهم يستقل أن يعطي اليسير، ويقول: إنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه، وليس اليسير مما نحب، ويتهاون بالذنب اليسير، ويقول: إنما أوعد الله النار على الكبائر  ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، يرغبهم في القليل من الخير، ويحذرهم عن اليسير من الشر.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المزكي ، أنا عبد الله بن محمد الزاهد ، أنا عبد الله بن محمد المنيعي ، نا أبو الربيع الزهراني ، نا جرير بن حازم ، عن الحسن ، قال: "قدم صعصعة عم الفرزدق على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع هذه الآية فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال: حسبي ما أبالي أن لا أسمع من القرآن غيرها".  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبيد الله الفارسي ، أنا علي بن أحمد بن محمد بن عطية ، نا الحارث بن أبي أسامة ، نا داوود بن المحبر ، نا ميسرة ، عن المغيرة بن قيس ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال: قلت: "يا رسول الله، إلى ما ينتهي الناس يوم القيامة؟ قال: إلى أعمالهم، من عمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن عمل مثقال ذرة شرا يره".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية