لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
لإيلاف قريش إيلافهم وقرئ: إلافهم وإلفهم يقال: ألفت الشيء إلافا وإلفا، وألفته إيلافا بمعنى واحد. يقال: آلفت الظباء الرمل؛ إذ ألفته، واللام في الإيلاف تتعلق بالتي قبلها؛ وذلك أن مكة عظيم النعمة عليهم، فيما صنع بالحبشة ثم قال:
لإيلاف قريش يقول: فعلنا ذلك بهم لتألف الله تعالى ذكر أهل قريش رحلتيها. قال : المعنى: فجعلهم [ ص: 556 ] كعصف مأكول لإلف الزجاج قريش ، أي: أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف .
وشرح هذا شرحا شافيا، فقال: هاتان سورتان متصلتا الألفاظ، والمعنى: أن ابن قتيبة قريشا كانت بالحرم آمنة من الأعداء أن تهجم عليهم فيه، وأن يعرض لها أحد بالسوء، إذا خرجت منه لتجارتها، والحرم واد جديب، إنما كانت تعيش قريش فيه بالتجارة، وكانت لهم رحلتان في كل سنة، رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف، فلما قصد أصحاب الفيل إلى مكة ليهدموا الكعبة أهلكهم الله لتألف قريش هاتين الرحلتين اللتين بهما تعيشهم ومقامهم بمكة .
وأما قريش فهم ولد النضر بن كنانة ، فكل من ولده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي، واختلفوا في سبب تسميتهم بهذا الاسم، فقال الأكثرون: سموا قريشا للتجارة وجمع المال، وكانوا أهل تجارة، ولم يكونوا أصحاب ضرع ولا زرع. والقرش: الكسب، يقال: هو يقرش لعياله ويقترض أي: يكتسب.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، أنا إسماعيل بن نجيد ، نا محمد بن الحسن بن الخليل ، نا ، نا أبو كريب ، عن وكيع ، عن أبيه، عن هشام بن عروة ، وكان من أصحاب أبي ريحانة معاوية ، قال: قال معاوية : لم سميت لابن عباس قريش قريشا، قال: بدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها: القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، قال: فتنشد في ذلك شيئا، فأنشده شعر الجمحي ؛ إذ يقول:
وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا تأكل الغث والسمين ولا تترك
فيه لذي الجناحين ريشا هكذا في البلاد حي قريش
يأكلون البلاد أكلا كميشا ولهم آخر الزمان نبي
يكثر القتل فيهم والخموشا
[ ص: 557 ] فليعبدوا رب هذا البيت يقول: فليوحدوا رب هذه الكعبة.
الذي أطعمهم من جوع أي: بعد جوع، كما تقول: كسوتك من عري. وذلك: أن الله تعالى أمنهم بالحرم وجعلهم من أهله حتى لم يتعرض لهم في رحلتيهم، وكان ذلك سبب إطعامهم بعد ما كانوا فيه من الجوع، قال ، عن عطاء : إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم ابن عباس هاشم على الرحلتين، فكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني، حتى كان فقيرهم كغنيهم، فلم يكن بنو أب أكثر مالا، ولا أعز من قريش
وقد قال الشاعر فيهم:
الخالطين فقيرهم بغنيهم حتى يكون فقيرهم كالكافي
وقوله: وآمنهم من خوف هو أنهم . كانوا يسافرون آمنين، لا يتعرض لهم أحد، وكان غيرهم لا يأمن في سفره، ولا في حضره