الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أعطيناك الكوثر  فصل لربك وانحر  إن شانئك هو الأبتر  

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أعطيناك الكوثر أكثر المفسرين على أن الكوثر نهر في الجنة،  يدل عليه ما:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الغازي ، أنا محمد بن أحمد بن سنان الحيري ، أنا أحمد بن علي بن المثنى ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، نا علي بن مسهر ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك ، قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقلت: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟  قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدني عليه ربي خيرا كثيرا هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج العبد منه، فأقول: رب إنه من أمتي، [ ص: 561 ] فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك،
                                                                                                                                                                                                                                      رواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخبرنا محمد ، أنا محمد ، أنا أحمد ، نا هدبة ، نا همام ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "بينا أنا أسير في الجنة إذ أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فضرب الملك بيده، فإذا طينه مسك أذفر "، رواه البخاري ، عن هدبة.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني ، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأهوازي ، نا معمر بن سهل ، نا عامر بن مدرك ، نا محمد بن عبيد الله ، نا أبو اليقظان ، عن زاذان ، عن علي ، وأبي الزبير ، عن أنس بن مالك ، قال: "لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أبصر نهرا في الجنة قيل: هذا الكوثر،  فأصبح يحدث به الناس، فقال منافق لصاحب له: سله فوالله ما رأينا نهرا قط إلا على شطه نبات، ما نبته؟ فقال: يا نبي الله، إنه ليس من نهر إلا على شطه نبت فما نبته؟ قال: قضبان الذهب الرطب مستعلية عليه تظله، قالوا: إنا لم نر نبتا إلا له ثمر فما ثمره؟ قال: الياقوت واللؤلؤ والزمرد، قالوا: إنا لم نر نهرا إلا له حمأة فما حمأته؟ قال: المسك الأذفر، قالوا: فإنا لم نر نهرا قط إلا يجري على رضراض، فما رضراضه؟ قال: جنادب اللؤلؤ والياقوت والزمرد "، وقال ابن عباس : الكوثر الخير الكثير الذي أعطى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو نصر الجوزقي ، أنا بشر بن أحمد بن بشر ، أنا أحمد بن علي بن المثنى ، نا شيبان ، نا [ ص: 562 ] مبارك ، عن الحسن ، إنا أعطيناك الكوثر قال: العلم والقرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فصل لربك يعني: الصلوات الخمس، وانحر البدن بمنى وقال محمد بن كعب : إن ناسا كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته ونحره له.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس ، في رواية أبي الجوزاء في قوله: وانحر قال: تضع يدك اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهو قول علي رضي الله عنه، وانحر قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. وروي مرفوعا: أنه رفع اليمين في الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم المشاط ، أنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ، نا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي ، نا أبو حاتم الرازي ، نا وهب بن أبي مرحوم ، عن إسرائيل بن حاتم ، عن مقاتل بن حبان ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : "ما هذه النحيرة التي أمرني بها، فقال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع  ، فإنها من صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع الأيدي من الاستكانة" قال الله عز وجل: فما استكانوا لربهم وما يتضرعون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 563 ] إن شانئك مبغضك، هو الأبتر المنقطع عن الخير،  يعني: العاص بن وائل ، كان يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيقول له: إني لأشنؤك، وإنك لأبتر من الرجال، فأنزل الله عز وجل: إن شانئك هو الأبتر يعني العاص من خير الدنيا، وخير الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل ، نا محمد بن يعقوب ، نا أحمد بن عبد الجبار ، نا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن رومان ، قال: كان العاص بن وائل السهمي ، إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فإنما هو رجل أبتر، لا عقب له، لو قد هلك لانقطع ذكره، واسترحتم منه.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله عز وجل: (إنا أعطيناك الكوثر ) ما هو خير لك من الدنيا وما فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      والكوثر العظيم من الأمر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر العاص بن وائل
                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية