الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا أي: تجبنا، يعني بني سلمة وبني حارثة، هما بالانصراف مع عبد الله بن أبي المنافق، فعصمهما الله، وهو قوله: والله وليهما أي: ناصرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال جابر بن عبد الله: فينا نزلت إذ همت طائفتان نحن الطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، وما نحب أنها لم تنزل لقول الله تعالى: والله وليهما .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد نصركم الله ببدر الآية، بدر: اسم موضع نصر هناك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وأنتم أذلة جمع ذليل، أي: بقلة العدد وضعف الحال بقلة السلاح والمال.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو سعد النضروي، أخبرنا أبو بكر القطيعي، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني أبو إسحاق، عن حارثة قال: سمعت عليا يقول: لم يكن فارسا يوم بدر غير المقداد.  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن بطة، أخبرنا أبو القاسم المنيعي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، قال: أول من قاتل على فرس في سبيل الله المقداد بن الأسود   [ ص: 487 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد، أخبرنا عبيد الله، أخبرنا المنيعي، حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد بن عبد الله، عن عمرو بن يحيى، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، عن عامر بن ربيعة، وكان من أصحاب بدر، قال: كان يوم بدر الاثنين صبيحة سبعة عشر من رمضان.  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسن السراج، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا سلمة بن الفضل الأبرش، عن إسحاق بن راشد، عن كثير بن سليمان، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلا.   [ ص: 488 ] وقوله: فاتقوا الله لعلكم تشكرون أي: اتقوا عقاب الله بالعمل بطاعته لتقوموا بشكر نعمته.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم  الآية، قال الشعبي: بلغ المؤمنين أن كرز بن جابر الحنفي يريد أن يمد المشركين، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله: ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: بلى تصديق لوعد الله بالإمداد والكفاية، إن تصبروا على لقاء العدو، وتتقوا معصية الله ومخالفة نبيه، ويأتوكم من فورهم هذا ، وأصل "الفور": غليان القدر، يقال: فارت القدر تفور فورا.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يقال للغضبان: فار فائره، إذا اشتد غضبه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس وقتادة والربيع: من وجههم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد: من غضبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يمددكم ربكم أصل المد و "الإمداد" في اللغة: الزيادة، يقال: مد النهر، ومد الماء، إذا زاد ومده نهر آخر.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قوله تعالى: والبحر يمده من بعده سبعة أبحر أي: يزيد منه، وأكثر ما يستعمل الإمداد في الخير، ومنه قوله: ويمددكم بأموال وبنين ، أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ، وأمددناهم بفاكهة ولحم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين أي: يزد في عددكم بهذا العدد من الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 489 ] ومن فتح الواو من المسومين فمعناه: معلمين قد سوموا، فهم مسومون و "السومة": العلامة، ومن كسر الواو: نسب الفعل إليهم، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: "سوموا، فإن الملائكة قد سومت" .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض، قد أرسلوها في ظهورهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن: مسومين بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عباد بن عبد الله بن الزبير: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء معتجرا، فنزلت الملائكة عليها عمائم صفر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما جعله الله أي: ما جعل الله ذكر المدد، إلا بشرى لكم و "البشرى": اسم من الإبشار والتبشير، ولتطمئن قلوبكم به فلا تجزع من كثرة العدو وقلة عدوكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما النصر إلا من عند الله أراد الله أن لا يركن المؤمنون إلى الملائكة، وأعلمهم أنهم وإن حضروا [ ص: 490 ] وقاتلوا فما النصر إلا من عند الله ليستعينوا به ويتوكلوا عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      والإمداد بالملائكة: بشرى لهم، وطمأنينة لقلوبهم، لما في البشر من الضعف، فأما حقيقة النصر فهو من عند الله، العزيز الحكيم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليقطع طرفا من الذين كفروا أي: ليهلك طائفة، وليقتل قطعة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي: ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر، فقتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون، وأسر سبعون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو يكبتهم "الكبت" في اللغة: صرع الشيء على وجهه، يقال: كبته فانكبت.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يذكر والمراد به: الإخزاء والهلاك واللعن والهزيمة والإذلال. . . هذا ما ذكره المفسرون في تفسير الكبت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فينقلبوا خائبين أي: يرجعوا وينصرفوا ولم يدركوا ما أملوا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ليس لك من الأمر شيء الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو صادق محمد بن شاذان، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن هشام بن ملاس النميري، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فكسرت رباعيته، وأدمي وجهه، وجعل الدم يسيل على وجهه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم" فأنزل الله تعالى: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون   [ ص: 491 ] ومعنى أو في قوله: أو يتوب معنى حتى، وإلى أن.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء: ومثل هذا في الكلام: لألزمنك أو تعطيني حقي.

                                                                                                                                                                                                                                      على معنى: إلى أن تعطيني وحتى تعطيني.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما نفى الأمر عن نبيه ذكر أن جميع الأمر له، فقال: ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء قال ابن عباس: الذنب العظيم للموحدين.

                                                                                                                                                                                                                                      ويعذب من يشاء قال: يريد المشركين على الذنب الصغير.

                                                                                                                                                                                                                                      والله غفور لأوليائه، رحيم بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية