وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ ص: 492 ] الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين
قوله: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم قال عن عطاء لا تصروا على الذنب، إذا أذنب أحد فليسرع الرجوع، يغفر الله له. ابن عباس:
وقال في رواية إلى التوبة من الزنا وشرب الخمر. الكلبي:
وفي الكلام محذوف على تقدير: وسارعوا إلى موجب مغفرة من ربكم.
وجنة عرضها السماوات والأرض قال يريد: لرجل واحد من أوليائه. ابن عباس:
وقال كريب: أرسلني إلى رجل من أهل الكتاب أسأله عن هذه الآية، فأخرج أسفار ابن عباس موسى فنظر، فقال: يلفق كما يلفق الثوب، فأما طولها فلا يقدر أحد قدره.
وقال في رواية أبي صالح: الجنان أربع: جنة عدن وهي الدرجة العليا، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، وجنة المأوى، وكل جنة منها كعرض السماوات والأرض لو وصل بعضها إلى بعض.
أعدت في الآخرة، للمتقين الشرك والفواحش.
ثم وصفهم فقال: الذين ينفقون في السراء والضراء قال في اليسر والعسر. ابن عباس:
وسمى "اليسر" سراء لأنه يسر الإنسان، وسمى العسر ضراء لأنه يضر الإنسان.
والكاظمين الغيظ يقال: كظم غيظه، إذا سكت عليه ولم يظهره بقول أو فعل.
قال المراد: تأويله أنه كتمه على امتلائه منه.
[ ص: 493 ] والمعنى: الكافين غضبهم عن إمضائه، يردون غيظهم في أجوافهم ويصبرون فلا يظهرون.
أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد، حدثنا حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، حدثنا يحيى بن بكير، سعيد بن عبد الله المعاذي، عن يحيى بن أيوب، عن عن زبان بن فائد، عن أبيه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سهل بن معاذ بن أنس الجهني، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق فيخيره في الحور العين، يزوجه منهن أيها شاء" "من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه، وقوله: والعافين عن الناس قال عن المماليك، إذا أذنب واحد منهم ذنبا عفوا عنه لما يرجون من ثواب الله. ابن عباس:
وقال زيد بن أسلم أي: ممن ظلمهم وأساء إليهم. ومقاتل:
وقوله: والله يحب المحسنين قال يريد الموحدين الذين هذه الخصال فيهم. ابن عباس:
والذين إذا فعلوا فاحشة قال في رواية ابن عباس نزلت الآية في عطاء: نبهان التمار، أتته [ ص: 494 ] امرأة حسناء تبتاع منه تمرا، فضمها إلى نفسه وقبلها، ثم ندم على ذلك، فأتى النبي عليه السلام، فذكر له ذلك، فنزلت هذه الآية. قوله:
ومعنى الفاحشة هاهنا: الزنا.
وقوله: أو ظلموا أنفسهم قال الكلبي هو ما دون الزنا من قبلة أو لمسة أو نظر فيما لا يحل، مثل الذي فعل نبهان. ومقاتل:
وقوله: ذكروا الله قال ذكروا العرض الأكبر على الله عز وجل. الضحاك:
وقال مقاتل والواقدي: تفكروا أن الله سائلهم عنه.
وقوله: فاستغفروا لذنوبهم أي: قالوا: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، فإنا تبنا إليك وندمنا.
ولم يصروا على ما فعلوا لم يقوموا ولم يدوموا، بل تابوا وأقروا واستغفروا.
أخبرنا عبد القاهر بن طاهر، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي، حدثنا أخبرنا يحيى بن يحيى، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن عثمان بن واقد، قال: لقيت مولى أبي نصيرة، لأبي بكر الصديق، فقلت: سمعت من أبي بكر شيئا؟ قال: نعم، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة".
[ ص: 495 ] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الفارسي، أخبرنا علي بن أحمد بن محمد بن عطية، حدثنا حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا عبد العزيز بن أبان، عن شعبة، سمعت عثمان بن المغيرة، من علي بن ربيعة، بني أسد - يحدث عن أسماء، أو ابن أسماء - من بني فزارة، قال: قال حدثني علي بن أبي طالب أبو بكر، وصدق أبو بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، وقرأ هاتين الآيتين: "ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له" ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم . وقوله: وهم يعلمون قال يعلمون أنه يغفر لمن استغفر ويتوب على من تاب إليه. مجاهد:
ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل، أنه قال: أبي ذر،
[ ص: 496 ] ثم ذكر جزاء المستغفرين من الذنب فقال: أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم إلى قوله: ونعم أجر العاملين أي: نعم أجر العاملين المغفرة. من علم أني ذو قدرة على أن أغفر له غفرت له ولا أبالي.