قوله: إذ تصعدون يقال: أصعد في البلاد، إذا سار ومضى.
ومعنى تصعدون: تبعدون في الهزيمة.
[ ص: 506 ] ولا تلوون على أحد لا تعرجون ولا تقيمون، يقال: مضى فلم يلو على شيء.
أي: لم يعرج، وأصله من لي العنق في الالتفات، ثم استعمل في ترك التعريج.
والرسول يدعوكم في أخراكم أي: من خلفكم، يقول: إلي عباد الله، إلي عباد الله.
يقال: جاء فلان في آخر الناس وآخرة الناس وأخرى الناس، إذا جاء خلفهم.
وقوله: فأثابكم غما بغم "الباء" بمعنى "اللام"، أي: جعل مكان ما ترجعون من الثواب أن غمكم بالهزيمة، وظفر المشركين بغم، أي: بغمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عصيتموه فعصيتم أمره، فالغم الأول لهم، والثاني للنبي عليه السلام، وهذا القول اختيار الزجاج.
قوله: والله خبير بما تعملون تذكير للتحذير.
قوله: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا قال المفسرون: إن المشركين لما انصرفوا يوم أحد كانوا يتوعدون المسلمين بالرجوع، ولم يأمن المسلمون كرتهم، وكانوا تحت الحجف متأهبين للقتال، فأنزل الله تعالى عليهم دون المنافقين أمنة، فأخذهم النعاس.
قال آمنهم يومئذ بنعاس يغشاهم بعد خوف، وإنما ينعس من أمن، والخائف لا ينام. ابن عباس:
قال أبو طلحة: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت لا أرى أحدا من القوم إلا وهو يميد تحت حجفته من النعاس.
قال: وكنت ممن ألقي عليه النعاس يومئذ، فكان السيف يسقط من يدي، فآخذه، ثم يسقط السوط من يدي، فآخذه.
[ ص: 507 ] والأمنة: مصدر كالأمن، يقال: أمن فلان يأمن أمنا وأمنة وأمانا.
و "النعاس": بدل من الأمنة.
قوله: يغشى طائفة منكم قرئ بالياء والتاء، فمن قرأ بالياء فلأن النعاس هو الغاشي، والعرب تقول: غشيني النعاس، وقل ما غشيني الأمن.
ومن قرأ بالتاء جعل الأمنة هي الغاشية; لأن الأصل الأمنة، والنعاس بدل، والأمنة هي المقصود، وإذا حصلت الأمنة حصل النعاس.
وقوله: وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يعني المنافقين: عبد الله بن أبي، ومعتب بن قشير، وأصحابهما، كان همهم خلاص أنفسهم.
يقال: أهمني الشيء.
أي: كان من همي وقصدي.
قوله: يظنون بالله غير الحق أي: يظنون أن أمر محمد صلى الله عليه وسلم مضمحل، وأنه لا ينصر، ظن الجاهلية وهي زمان الفترة قبل الإسلام.
والتقدير: ظن أهل الجاهلية، أي: أنهم كانوا على جهالتهم في ظنهم هذا.
يقولون هل لنا من الأمر من شيء هذا استفهام معناه الجحد، أي: ليس لنا من النصر والظفر شيء كما وعدنا، بل هو للمشركين يقولون ذلك على جهة التكذيب، فقال الله تعالى: قل إن الأمر كله لله قال يريد: القضاء والقدر والنصرة والشهادة. ابن عباس:
وقرأ أبو عمرو كله - بالرفع على الابتداء - و "لله" الخبر.
[ ص: 508 ] قال ومثله مما قطع مما قبله قوله: الفراء: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ومن هذا أيضا ما أجازه سيبويه من قولهم: أين تظن زيد ذاهب.
وقوله: يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك من الشك والنفاق وتكذيب الوعد بالنصرة، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا يعنون: أنهم خرجوا كرها، ولو كان الأمر بيدهم لم يخرجوا.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد المزكي، أخبرنا عبيد الله بن بطة الزاهد، أخبرنا حدثنا أبو القاسم البغوي، ابن الأموي، حدثني أبي، عن حدثني ابن إسحاق، عن أبيه، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عبد الله، عن الزبير قال: والله إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النعاس ليغشانا بعد الغم والكرب الذي كنا فيه إذ سمعت معتب بن قشير، وما أسمعها إلا كالحلم، يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا".
ثم رد الله تعالى عليهم هذا الكلام قل لو كنتم في بيوتكم أيها المنافقون، ولم تخرجوا إلى بقوله تعالى: أحد، لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم يعني: لو تخلفوا عن القتال لخرج الذين كتب عليهم القتل، ولم يكن لينجيهم قعودهم.
ويريد "بالمضاجع": مصارعهم للقتل إلى حيث يسقطون هناك قتلى.