الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير  ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون  ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا الآية، قال ابن عباس: يريد قوما من المنافقين قالوا فيمن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السرايا إلى بئر معونة وإلى الرجيع فأصيبوا: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 511 ] وقوله: وقالوا لإخوانهم أي: في النفاق، إذا ضربوا في الأرض أي: ساروا وسافروا فيها، أو كانوا غزى جمع غاز، مثل: صائم وصوم، ونائم ونوم.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الآية محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا ضربوا في الأرض فماتوا، أو كانوا غزى فقتلوا.

                                                                                                                                                                                                                                      لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا وهذا الظاهر يدل على موتهم وقتلهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم أي: ليجعل ظنهم أنهم لو لم يحضروا الحرب اندفع عنهم القتل، حسرة في قلوبهم، وحسرتهم في مقالتهم التي كانوا كاذبين فيها على القضاء والقدر أشد عليهم مما نازلهم في قتل إخوانهم وموتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدير معنى الآية: لا تكونوا كهؤلاء الكفار عن هذا القول منهم ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم دونكم.

                                                                                                                                                                                                                                      والله يحيي ويميت أي: ليس ينفع الإنسان تحرزه من إتيان أجله على ما سبق في علم الله، والله بما تعملون بصير بالياء والتاء، فمن قرأ بالتاء فلأن الآية خطاب، وهو قوله: ولا تكونوا، ومن قرأ بالياء فللغيبة التي قبلها، وهي قوله: وقالوا لإخوانهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولئن قتلتم في سبيل الله "اللام" في "لئن": لام القسم، بتقدير: والله لئن قتلتم في سبيل الله أيها المؤمنون، أو متم في سبيل الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ (متم ) بكسر الميم، وهو شاذ، ونظيره في الصحيح: فضل يفضل.

                                                                                                                                                                                                                                      والخطاب للمؤمنين، يقول الله تعالى: ولئن قتلتم في الجهاد، أو متم ليغفرن لكم، وهو قوله: لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون من أعراض الدنيا التي تتركون القتال في سبيل الله للاشتغال بجمعها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حفص يجمعون بالياء، ويكون المعنى: لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعه غيركم مما تركوا القتال لجمعه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 512 ] ولئن متم يريد: مقيمين عن الجهاد، أو قتلتم مجاهدين، لإلى الله تحشرون يعني: في الحالين، وهذا تهديد بالحشر، وتحذير من القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية