قوله تعالى: الذين قال لهم الناس الآية، قال مجاهد ومقاتل وعكرمة والواقدي والكلبي: إن أبا سفيان حين أراد أن ينصرف يوم أحد قال: يا محمد، إن موعد ما بيننا وبينك موسم بدر الصغرى لقابل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك بيننا إن شاء الله" .
فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة، ثم ألقى الله تعالى في قلبه الرعب، فبدا له الرجوع، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي، فبعثه أبو سفيان وقال: ثبط عنا محمدا وخوفه حتى لا يلقانا ببدر الصغرى، ولأن يكون الخلف من قبله أحب إلي.
فأتى نعيم المسلمين، فوجدهم يتجهزون لميعاد أبي سفيان، وقال: قد أتوكم في بلدكم وصنعوا بكم ما صنعوا، فكيف بكم إذا أغرتم عليهم في بلدهم وهم أكثر وأنتم أقل؟ ! فذلك قوله: الذين قال لهم الناس يعني نعيما، فأطلق لفظ الناس على الواحد، كما تقول: انتظرت قوما فجاء واحد منهم: قد جاء الناس.
وقال الناس هاهنا: المنافقون، قالوا للمسلمين حين تجهزوا للمسير لميعاد السدي: أبي سفيان: إن أتيتموهم في ديارهم لا يرجع منكم أحد.
[ ص: 523 ] وقوله: إن الناس قد جمعوا لكم يعني أبا سفيان وأصحابه، فاخشوهم فزادهم إيمانا زادهم قول الناس لهم إيمانا، أي: تصديقا ويقينا.
قال زادهم ذلك التخويف ثبوتا في دينهم، وإقامة على نصرة نبيهم. الزجاج:
وقالوا حسبنا الله أي: الذي يكفينا أمرهم الله، ونعم الوكيل أي: الموكول إليه الأمور، فعيل بمعنى مفعول.
قال آخر كلام ابن عباس: إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل.
وقال نبيكم مثلها، ثم قرأ هذه الآية.
قوله: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في أصحابه حتى وافوا بدر الصغرى، وكانت موضع سوق لهم يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام، فلم يلقوا أحدا من المشركين، ووافقوا السوق فباعوا واشتروا وربحوا، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين، فذلك قوله: فانقلبوا أي: انصرفوا، بنعمة من الله وفضل قال السدي والنعمة هاهنا: "العافية"، و "الفضل": التجارة. ومجاهد:
وقوله لم يمسسهم سوء أي: لم يصبهم قتل ولا جراح، واتبعوا رضوان الله في طاعة رسوله، والله ذو فضل عظيم تفضل على المؤمنين بما تفضل به.
وقوله: إنما ذلكم الشيطان أي: ذلك الذي يخوفكم أيها المؤمنون هو الشيطان، يوقع في قلوبكم الخوف من الكفار، وهو قوله: يخوف أولياءه أي: يخوفكم بأوليائه وهم المشركون، فحذف المفعول الثاني وحرف الجر.
قال ومثله قوله: الفراء: لينذر يوم التلاق ومعناه: لينذركم بيوم التلاق، وقوله: لينذر بأسا شديدا أي: لينذركم ببأس شديد.
[ ص: 524 ] والذي يدل على هذا قراءة يخوفكم بأوليائه. أبي بن كعب
فلا تخافوهم أي: لا تخافوا أولياء الشيطان، وخافون إن كنتم مؤمنين أي: خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدقين بوعدي، وقد أعلمتكم أني أنصركم عليهم، فقد سقط عنكم الخوف.