الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون  فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون  فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون  فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم في الآية محذوف تقديره: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا فخالفوهم، بالبأساء يعني: الشدة والفقر، والضراء وهي الأمراض والأوجاع لعلهم يتضرعون لكي يتضرعوا، ومعنى التضرع: التذلل والانقياد للطاعة.

                                                                                                                                                                                                                                      فلولا: فهلا إذ جاءهم بأسنا عذابنا تضرعوا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: أعلم الله نبيه أنه قد أرسل قبله إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، وهو قوله: ولكن قست قلوبهم ، فأقاموا على كفرهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون قال ابن عباس: زين لهم الشيطان الضلالة التي هم عليها، فأصروا على معاصي الله.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 271 ] قوله: فلما نسوا ما ذكروا به قال ابن عباس: تركوا ما وعظوا به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل: تركوا ما دعاهم إليه الرسل.

                                                                                                                                                                                                                                      فتحنا عليهم أبواب كل شيء قال ابن عباس، ومقاتل، والسدي: رخاء الدنيا ويسرها وسرورها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج: أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم من الخير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: حتى إذا فرحوا بما أوتوا حتى ظنوا أن ذلك باستحقاقهم ففرحوا بذلك الرخاء والنعمة.

                                                                                                                                                                                                                                      أخذناهم بغتة: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر إليه فلا رأي له، ثم قرأ هذه الآية، وقال: مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو صادق محمد بن أحمد بن شاذان، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني حرملة بن عمران، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي للعبد ما يحب وهو مقيم على معصية فإنما ذلك منه استدراج" ، ثم تلا فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء  إلى آخر الآيتين وقوله: فإذا هم مبلسون الإبلاس: اليأس من النجاة عند ورود الهلكة، قال ابن عباس: آيسون من كل خير.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج: المبلس: الشديد الحسرة البائس الحزين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فقطع دابر القوم الذين ظلموا دابر القوم: آخرهم الذي يدبرهم، ودابر الرجل: عقبه، ويقال:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 272 ] دبر فلان القوم يدبرهم دبرا ودبورا.

                                                                                                                                                                                                                                      إذا كان آخرهم، قال الكلبي: دابر القوم دابرهم الذي يختلف في آخر القوم.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم تبق منهم باقية.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: والحمد لله رب العالمين قال الزجاج: حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم; لأن ذلك نعمة على الرسل الذين كذبوهم، فذكر الحمد هاهنا تعليم لهم ولمن آمن بهم أن يحمدوا الله على كفايته شر الذين ظلموا، وليحمد محمد وأصحابه ربهم إذا أهلك المشركين المكذبين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية