ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين
قوله: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم في الآية محذوف تقديره: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا فخالفوهم، بالبأساء يعني: الشدة والفقر، والضراء وهي الأمراض والأوجاع لعلهم يتضرعون لكي يتضرعوا، ومعنى التضرع: التذلل والانقياد للطاعة.
فلولا: فهلا إذ جاءهم بأسنا عذابنا تضرعوا.
قال أعلم الله نبيه أنه قد أرسل قبله إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا، وهو قوله: الزجاج: ولكن قست قلوبهم ، فأقاموا على كفرهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون قال زين لهم الشيطان الضلالة التي هم عليها، فأصروا على معاصي الله. ابن عباس:
[ ص: 271 ] قوله: فلما نسوا ما ذكروا به قال تركوا ما وعظوا به. ابن عباس:
وقال تركوا ما دعاهم إليه الرسل. مقاتل:
فتحنا عليهم أبواب كل شيء قال ابن عباس، ومقاتل، رخاء الدنيا ويسرها وسرورها. والسدي:
وقال أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم من الخير. الزجاج:
وقوله: حتى إذا فرحوا بما أوتوا حتى ظنوا أن ذلك باستحقاقهم ففرحوا بذلك الرخاء والنعمة.
أخذناهم بغتة: فاجأهم عذابنا من حيث لا يشعرون.
قال من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر إليه فلا رأي له، ثم قرأ هذه الآية، وقال: مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا. الحسن:
أخبرنا أبو صادق محمد بن أحمد بن شاذان، حدثنا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، عبد الله بن صالح، حدثني عن حرملة بن عمران، عقبة بن مسلم، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عقبة بن عامر، فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء "إذا رأيت الله يعطي للعبد ما يحب وهو مقيم على معصية فإنما ذلك منه استدراج" ، ثم تلا إلى آخر الآيتين وقوله: فإذا هم مبلسون الإبلاس: اليأس من النجاة عند ورود الهلكة، قال آيسون من كل خير. ابن عباس:
وقال المبلس: الشديد الحسرة البائس الحزين. الزجاج:
قوله: فقطع دابر القوم الذين ظلموا دابر القوم: آخرهم الذي يدبرهم، ودابر الرجل: عقبه، ويقال:
[ ص: 272 ] دبر فلان القوم يدبرهم دبرا ودبورا.
إذا كان آخرهم، قال دابر القوم دابرهم الذي يختلف في آخر القوم. الكلبي:
والمعنى: أنهم استؤصلوا بالعذاب فلم تبق منهم باقية.
قوله: والحمد لله رب العالمين قال حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم; لأن ذلك نعمة على الرسل الذين كذبوهم، فذكر الحمد هاهنا تعليم لهم ولمن آمن بهم أن يحمدوا الله على كفايته شر الذين ظلموا، وليحمد الزجاج: محمد وأصحابه ربهم إذا أهلك المشركين المكذبين.