قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون
قوله: قل من ينجيكم وقرئ بالتخفيف، وهما لغتان، يقال: نجاه وأنجاه، قال الله تعالى: فأنجاه الله من النار وقال: ونجينا الذين آمنوا .
وقوله: من ظلمات البر والبحر قال من أهوالهما وكرباتهما، قال: وكانت ابن عباس: قريش تسافر في البر والبحر، فإذا ضلها الطريق وخافوا الهلاك دعوا الله مخلصين، فأنجاهم.
قال الزجاج: ظلمات البر والبحر شدائدهما، والعرب تعبر عن الشدة بالظلمة يقولون لليوم الشديد: يوم مظلم.
وقوله: تدعونه تضرعا أي: تظهرون إليه الضراعة في الدعاء، وهو شدة الفقر إلى الشيء والحاجة إليه، وخفية: سرا بالنية، أي: تضمرون فقركم وحاجتكم إليه كما تظهرون.
وقرئ وخفية بكسر الخاء وهما لغتان [ ص: 283 ]
لئن أنجانا من هذه الظلمات والشدائد لنكونن من الشاكرين من المؤمنين الطائعين لله.
وقرأ أهل الكوفة لئن أنجانا، حملوه على الغيبة، لقوله قبله: تدعونه.
قوله: قل الله ينجيكم منها أي: من تلك الشدائد التي دعوتموه لينجيكم منها، ومن كل كرب وهو الغم الذي يأخذ بالنفس، يقال: كربه الغم، وإنه لمكروب.
قال أعلمهم الله أن الذي دعوه وأقروا به هو ينجيهم، ثم هم يشركون معه الأصنام التي قد علموا أنها لا تنفع ولا تضر. الزجاج:
ثم أعلمهم أنه قادر على تعذيبهم فقال: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال ابن عباس: يريد من السماء كما حصب قوم لوط، وكما رمى أصحاب الفيل أو من تحت أرجلكم يريد: كما خسف بقارون.
وهو قول السدي، وابن جريج، قالوا: ومقاتل، عذابا من فوقكم الصيحة والحجارة والريح والغرق بالطوفان، أو من تحت أرجلكم الرجفة والخسف.
وقوله: أو يلبسكم شيعا [ ص: 284 ] قال بمعنى يلبسكم: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق. الزجاج:
والشيع: جمع شيعة، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، والجمع شيع وأشياع.
قال ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، يبث فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا يقاتل بعضكم بعضا، ويخالف بعضكم بعضا، وهو معنى قوله: والسدي: ويذيق بعضكم بأس بعض أي: بالخلاف والقتال.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، أخبرنا حدثنا يعلى بن عبيد، عن عثمان بن حكيم، عامر بن سعد، عن أبيه، قال: مسجد بني معاوية، فدخل فصلى ركعتين وصلينا، فناجى ربه طويلا، ثم قال: "سألت ربي ثلاثا، سألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" . أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على
رواه عن مسلم، ابن نصير، عن أبيه، عن وقال عثمان بن حكيم في هذه الآية: هي أربع خلال كلهن عذاب، فجاء منهن اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، لبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض. أبي بن كعب
وقوله: انظر كيف نصرف أي: نبين لهم الآيات في القرآن لعلهم يفقهون يعلمون.