الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين  قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون  قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل من ينجيكم وقرئ بالتخفيف، وهما لغتان، يقال: نجاه وأنجاه، قال الله تعالى: فأنجاه الله من النار وقال: ونجينا الذين آمنوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من ظلمات البر والبحر قال ابن عباس: من أهوالهما وكرباتهما، قال: وكانت قريش تسافر في البر والبحر، فإذا ضلها الطريق وخافوا الهلاك دعوا الله مخلصين، فأنجاهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: ظلمات البر والبحر شدائدهما، والعرب تعبر عن الشدة بالظلمة يقولون لليوم الشديد: يوم مظلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: تدعونه تضرعا أي: تظهرون إليه الضراعة في الدعاء، وهو شدة الفقر إلى الشيء والحاجة إليه، وخفية: سرا بالنية، أي: تضمرون فقركم وحاجتكم إليه كما تظهرون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ وخفية بكسر الخاء وهما لغتان [ ص: 283 ]

                                                                                                                                                                                                                                      لئن أنجانا من هذه الظلمات والشدائد لنكونن من الشاكرين من المؤمنين الطائعين لله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أهل الكوفة لئن أنجانا، حملوه على الغيبة، لقوله قبله: تدعونه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل الله ينجيكم منها أي: من تلك الشدائد التي دعوتموه لينجيكم منها، ومن كل كرب وهو الغم الذي يأخذ بالنفس، يقال: كربه الغم، وإنه لمكروب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: أعلمهم الله أن الذي دعوه وأقروا به هو ينجيهم، ثم هم يشركون معه الأصنام التي قد علموا أنها لا تنفع ولا تضر.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أعلمهم أنه قادر على تعذيبهم فقال: قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال ابن عباس: يريد من السماء كما حصب قوم لوط، وكما رمى أصحاب الفيل أو من تحت أرجلكم يريد: كما خسف بقارون.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قول السدي، وابن جريج، ومقاتل، قالوا: عذابا من فوقكم الصيحة والحجارة والريح والغرق بالطوفان، أو من تحت أرجلكم الرجفة والخسف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو يلبسكم شيعا [ ص: 284 ] قال الزجاج: بمعنى يلبسكم: يخلط أمركم خلط اضطراب، لا خلط اتفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      والشيع: جمع شيعة، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، والجمع شيع وأشياع.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، والسدي: يبث فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا يقاتل بعضكم بعضا، ويخالف بعضكم بعضا، وهو معنى قوله: ويذيق بعضكم بأس بعض أي: بالخلاف والقتال.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، أخبرنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، أخبرنا يعلى بن عبيد، حدثنا عثمان بن حكيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل فصلى ركعتين وصلينا، فناجى ربه طويلا، ثم قال: "سألت ربي ثلاثا، سألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها"   .

                                                                                                                                                                                                                                      رواه مسلم، عن ابن نصير، عن أبيه، عن عثمان بن حكيم وقال أبي بن كعب في هذه الآية: هي أربع خلال كلهن عذاب، فجاء منهن اثنتان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، لبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: انظر كيف نصرف أي: نبين لهم الآيات في القرآن لعلهم يفقهون يعلمون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية