الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون  واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين  إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإذا قرئ القرآن الآية نزلت في تحريم الكلام في الصلاة،  وكانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأمر بالاستماع إلى قراءة القرآن والسكوت للاستماع، وهو قوله: فاستمعوا له وأنصتوا ، وقال قوم: نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإمام.  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا علي بن عمر الحافظ، نا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، نا العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي، أنا الأوزاعي، أنا عبد الله بن عامر، حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة في هذه الآية: نزلت في رفع الأصوات وهو خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ولا تدل الآية على ترك القراءة خلف الإمام  لأن هذا الإنصات المأمور به إنما هو نهي عن الكلام في الصلاة أو عن الجهر كما ذكرنا، وعلى هذا فحكم الظاهر ممتثل عند الشافعي لأن السنة عنده أن يسكت الإمام بعد فراغه من الفاتحة فيقرأ المأموم الفاتحة في حال سكتة الإمام على أن قراءة الفاتحة مخصوصة بالسنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا كنتم خلفي فلا تقرءوا إلا بفاتحة الكتاب فإن لا صلاة إلا بها "   .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واذكر ربك في نفسك قال ابن عباس: يعني: بالذكر القراءة في الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                                      تضرعا وخيفة قال ابن زيد:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 441 ] يريد يتضرع إلي ويخاف مني.

                                                                                                                                                                                                                                      أمر في صلاة الإسرار أن يقرأ في نفسه، وفيما يرفع فيه الصوت بالقراءة أمر أن يقرأ دون الجهر، وهو قوله: ودون الجهر من القول ، والمسنون دون الجهر لقوله في آية أخرى: ولا تجهر بصلاتك الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: بالغدو والآصال الغدو جمع غدوة، والآصال واحدها أصل، وواحد الأصل أصيل، قال الزجاج: الآصال العشيات جمع الجمع.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: يريد بكرة وعشيا، يعني الصلوات.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة: أمر الله بذكره، ونهى عن الغفلة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قوله: ولا تكن من الغافلين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إن الذين عند ربك يعني: الملائكة، قال الزجاج: يعني أنهم بالقرب من رحمة الله تعالى ومن فضله.

                                                                                                                                                                                                                                      لا يستكبرون عن عبادته أي: لا يتعظمون عن عبادته، ويسبحونه يذكرونه بالتسبيح، كأنه قيل: من هو أكبر منك شأنا أيها الإنسان لا يستكبرون عن عبادة الله وتسبيحه والصلاة له، وهو قوله: وله يسجدون.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا حاجب بن أحمد، حدثنا عبد الرحيم بن منيب، نا يعلى بن عبيد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".  

                                                                                                                                                                                                                                      رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الفارسي، أنا محمد بن محمد بن إسحاق، أنا محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، نا هشام بن عمار، نا هقل بن زياد، نا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم وآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: " سلني، فقلت: مرافقتك في الجنة، فقال: أوغير ذلك؟ فقلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود".  

                                                                                                                                                                                                                                      رواه مسلم، عن الحكم بن موسى، عن هقل [ ص: 442 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الإسفرائيني، أنا أبو عبد الله بن بطة، أنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثني إبراهيم بن هاني، نا أبو عبد الرحمن المقرئ، نا ابن لهيعة، حدثني الحارث بن يزيد، أخبرني كثير الأعرج، قال: سمعت أبا فاطمة، يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثر من السجود فإنه لا يسجد عبد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه به خطيئة "  

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية