الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون  الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون  فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون  وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين  ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون  وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون  وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم  وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين  وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم  

                                                                                                                                                                                                                                      فقال: إن شر الدواب عند الله أراد بالدواب الإنس خاصة، كأنه قال: إن شر الناس عند الله الذين كفروا قال مقاتل: يعني يهود قريظة منهم: كعب بن الأشرف وأصحابه، وهم الذين قال الله: الذين عاهدت منهم أي: من اليهود، ثم ينقضون عهدهم في كل مرة أي: كلما عاهدتهم نقضوا العهد ولم يفوا به، وهم لا يتقون نقض العهد.

                                                                                                                                                                                                                                      فإما تثقفنهم في الحرب قال الليث: يقال: ثقفنا فلانا في موضع كذا.

                                                                                                                                                                                                                                      أي أخذناه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: ومعناه الإدراك بسرعة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكلبي: أي: أسرتهم في الحرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مقاتل: إن أدركتهم في القتال وأسرتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فشرد بهم من خلفهم التشريد: التنفير والتفريق، والمعنى: فرق بهم جمع كل ناقض، أي: افعل بهم فعلا من القتل والتنكيل يفرق عنك من خلفهم من أهل مكة، وأهل اليمن، قال ابن عباس: نكل بهم تنكيلا، يشرد غيرهم من ناقضي العهد.

                                                                                                                                                                                                                                      لعلهم يذكرون النكال فلا ينقضون العهد، والتأويل: فشرد بقتلهم والاتكاء فيهم من بعدهم يكن ذلك تخويفا لهم من نقض العهد فلا ينقضوا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإما تخافن قال ابن عباس: تعلمن.

                                                                                                                                                                                                                                      من قوم خيانة نقضا للعهد، فانبذ إليهم انبذ عهودهم التي عاهدتهم عليها إليهم، يقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم ليكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد [ ص: 468 ] بنصب الحرب، وهذا معنى قوله: على سواء إن الله لا يحب الخائنين الذين يخونون في عهودهم وغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا قال ابن الأنباري: معنى الآية أن أولئك الذين انهزموا يوم بدر، أشفقوا من هلكة تنزل بهم، فلما لم تنزل طغوا وبغوا، فقال الله: لا تحسبن أنهم سبقوا بسلامتهم الآن، فإنهم لا يعجزوننا فيما يستقبل من الأوقات، ومن قرأ لا يحسبن بالياء، فقال الأخفش: ولا يحسبن النبي الذين كفروا سبقوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عامر: أنهم بفتح الألف على تقدير: لا تحسبنهم سبقوا لأنهم لا يفوتون.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة كل ما يتقوى به على حرب العدو من آلة الجهاد فهو مما عنى الله بقوله: من قوة والمفسرون يقولون: يعني السلاح من السيف والرماح والقسي والنشاب .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي، أنا محمد بن أحمد بن علي المقرئ، أنا أحمد بن علي بن المثنى، نا هارون بن معروف، نا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي علي ثمامة بن شفي، أنه سمع عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي "   .

                                                                                                                                                                                                                                      رواه مسلم، عن هارون بن معروف قوله: ومن رباط الخيل يعني: ربطها واقتناءها للغزو، وهي من أقوى عدد الجهاد، ترهبون به تخيفون به، عدو الله وعدوكم يعني: مشركي مكة وكفار العرب وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم قال مجاهد، ومقاتل: يعني قريظة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال السدي: هم فارس، [ ص: 469 ] وقال الحسن، وابن زيد: هم المنافقون لا تعلمونهم لأنهم معكم يقولون: لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وما تنفقوا من شيء في سبيل الله من آلة وسلاح وصفراء وبيضاء في طاعة الله، يوف إليكم يوفر لكم أجره، وأنتم لا تظلمون لا تنقصون من الثواب.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها قال المفسرون: إن مالوا إلى الصلح فمل إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكلبي: يعني قريظة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن: يعني المشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر المفسرين على أن هذا منسوخ بآية السيف، قوله: وتوكل على الله أي: ثق به، إنه هو السميع لقولكم، العليم بما في قلوبكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإن يريدوا أن يخدعوك بالصلح لتكف عنهم، فإن حسبك الله فإن الذي يتولى كفايتك الله، هو الذي أيدك بنصره يوم بدر، وبالمؤمنين يعني الأنصار، وألف بين قلوبهم يعني بين قلوب الأوس والخزرج، وهم الأنصار، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم للعداوة التي كانت بينهم في الجاهلية، ولكن الله ألف بينهم لأن قلوبهم بيده يؤلفها كيف يشاء، قال الزجاج: وهذا من الآيات العظام، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى قوم أنفتهم شديدة، ونصرة بعضهم لبعض بحيث لو لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنه قبيلته حتى يدركوا ثأره، فألف الإيمان بين قلوبهم حتى قتل الرجل أخاه وابنه وأباه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يا أيها النبي حسبك الله أي: في كفاية كل ما تحتاج إليه، ومن اتبعك من المؤمنين يعني المهاجرين والأنصار.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ، نا أبو بكر بن أبي عاصم، نا صفوان بن المغلس، نا إسحاق بن بشر، نا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن سعيد بن جبير، [ ص: 470 ] عن ابن عباس، قال: أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وثلاثون رجلا وامرأة.  

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية