قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون
وقوله تعالى: قل إن كانت لكم الدار الآخرة الآية، كانت اليهود تقول: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا فقيل لهم: إن كنتم صادقين عند أنفسكم فتمنوا الموت فإن من كان لا يشك في أنه صائر إلى الجنة فالجنة آثر عنده من الدنيا.
[ ص: 177 ] ثم أخبر أنهم لا يتمنون الموت فقال: ولن يتمنوه أبدا؛ وذلك أنهم عرفوا أنهم كفرة، ولا نصيب لهم في الجنة، لأنهم تعمدوا كتمان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه، وقوله تعالى: (بما قدمت أيديهم) أي: بما قدموه وعملوه، فأضاف ذلك إلى اليد، وإن أكثر جنايات الإنسان تكون بيده، فيضاف إلى اليد كل جناية، وإن لم يكن لليد فيها عمل، وقوله تعالى: (والله عليم بالظالمين) فيه معنى التهديد، أي: عليم بمجازاتهم، وفي هذه الآية أبين دلالة على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن الله أنهم لا يتمنون الموت، ثم لم يرد -مع حرصهم على تكذيبه- أن أحدا أتاه، وقال: يا محمد ، أنا أشتهي الموت وأتمناه، لأنهم علموا أنهم لو تمنوا، لم يبق منهم صغير ولا كبير إلا مات، فكان إحجامهم عن ذكر الموت دليلا على عنادهم الحق وتكذيب من يعرفون صدقه.
قوله تعالى: (ولتجدنهم) دخلت اللام والنون لأن القسم مضمر، تقديره: والله لتجدنهم، يعني علماء اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، أحرص الناس على حياة لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار إذا ماتوا، ومعنى "الحرص": شدة الطلب، ومن الذين أشركوا أي: وأحرص من الذين أشركوا، ومعنى "الإشراك": عبادة غير الله مع الله، وهو أن يجعل عبادته مشتركة بين الله وغيره.
قال ، أبو العالية والربيع : أراد "بالذين أشركوا": المجوس، وإنما وصفوا بالإشراك لأنهم يقولون بالنور والظلمة، ويزدان وأهرمن ، وهم موصوفون بالحرص على الحياة، ولهذا جعلوا التحية بينهم: "زه هزار سال". أي: عش ألف سنة.
وقال : أراد بالذين أشركوا: منكري البعث، ومن أنكر البعث أحب الحياة؛ لأنه لا يرجو بعثا بعد الموت. ابن عباس
[ ص: 178 ] وقوله تعالى: يود أحدهم أي: أحد اليهود، يقال: وددت الشيء أوده ودا وودادا وودادة.
لو يعمر ألف سنة يقال: عمره الله تعميرا، إذا أطال عمره، وما هو أي: وما أحدهم، بمزحزحه بمبعده، من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون و"الزحزحة": الإبعاد والتنحية، يقال: زحزحه فتزحزح. يعني: إنه وإن عمر فعاقبته النار.