قوله تعالى: قل من كان عدوا لجبريل الآية، سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يأتيه من الملائكة، فقال: "جبريل" .
فقالوا: هو عدونا، ولو أتاك ميكائيل بالوحي لقبلنا منك.
فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وجبريل فيه لغات، وكذلك " ميكائيل" و "إسرائيل" ، وهذه أسماء أعجمية وقعت إلى العرب، فإذا أتي بها على ما في أبنية العرب مثله: كان أذهب في باب التعريب.
فمن قال: "جبريل" بكسر الجيم وحذف الهمزة، كان على لفظ: قنديل وبرطيل.
ومن قال: "جبريل" بفتح الجيم وترك الهمزة، فليس بهذا البناء مثل في كلام العرب فيكون هذا من باب الآجر والإبريسم والفرند، ونحو ذلك من الذي لم يجئ له مثل في كلامهم.
[ ص: 179 ] ومن قال: "جبرئل" على وزن جبرعل: كان على وزن جحمرش، وصهصلق.
وجبرئيل : على وزن عندليب، وكلا المذهبين حسن؛ لاستعمال العرب لهما جميعا.
قال جرير :
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرائيل وكذبوا ميكالا
وقال حسان :
وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس به خفاء
وقال : كعب بن مالك
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد فيه مع النصر جبريل وميكال
وقال جماعة من أهل العلم: "جبر"، و"ميك": هو العبد بالسريانية، و"إيل": هو الله عز وجل، وروي عن ، أنه قال: إنما ابن عباس جبريل وميكائيل كقولنا: عبد الله وعبد الرحمن.
وقوله: فإنه يعني جبريل ، نزله يعني القرآن، على قلبك يعني قلب محمد عليه السلام، "بإذن الله" بأمر الله، مصدقا لما بين يديه لما قبله من الكتب التي أنزلها الله، وهدى وبشرى للمؤمنين رد على اليهود حين قالوا: إن جبريل ينزل بالحرب والشدة.
فقيل: إنه وإن كان ينزل بالحرب والشدة على الكافرين، فإنه ينزل بالهدى والبشرى للمؤمنين، وعنى "بالهدى" و"البشرى": القرآن، فإن فيه هدى من الضلالة وبشرى بالجنة لمن آمن به.
قوله تعالى: من كان عدوا لله الآية.
إن اليهود قالت رضي الله عنه: إن صاحب لعمر بن الخطاب محمد من الملائكة جبريل وهو عدونا يطلع محمدا على سرنا، وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة. فقال عمر : فإني أشهد أن من كان عدوا لجبريل فإنه عدو لميكائيل ، ومن كان عدوا لهما فإن الله عدو له، ثم أتى عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل عليه [ ص: 180 ] السلام قد سبقه بالوحي، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، وقال: "لقد وافقك ربك يا عمر " .
قال عمر : فلقد رأيتني في دين الله أصلب من الحجر.
ومعنى من كان عدوا لله أي: من كان الله عدوه، ولا تصح العداوة لله على الحقيقة؛ لأن العداوة للشيء: طلب الإضرار به بغضا به، وإنما قيل للكافر: عدو لله من عداوة الله له، أو لأنه يفعل فعل المعادي.
وقوله تعالى: وملائكته ورسله وجبريل وميكال : أخرجهما الله من جملة الملائكة بالذكر؛ تخصيصا وتشريفا لهما، كقوله تعالى: فيهما فاكهة ونخل ورمان ، وكقوله: وأن المساجد لله بعد قوله: ولله ما في السماوات وما في الأرض ، ومعنى الآية: من كان عدوا لأحد هؤلاء فإن الله عدو له، وهو قوله: فإن الله عدو للكافرين لأن عدو الواحد عدو للجميع، وعدو محمد عدو لله، ومعنى فإن الله عدو للكافرين : أنه تولى تلك العداوة بنفسه، وكفى رسله وملائكته أمر من عاداهم، وإنما قال: عدو للكافرين ولم يقل: عدو لهم؛ ليدل على أنهم كافرون بهذه العداوة.
قوله تعالى: ولقد أنزلنا إليك آيات بينات قال : هذا جواب ابن عباس لابن صوريا ، حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك لها، فأنزل الله هذه الآية.
و"البينة": الدلالة الفاصلة بين القضية الصادقة والكاذبة؛ لأنها من إبانة أحد الشيئين عن الآخر فيزول الالتباس بها. قوله تعالى: وما يكفر بها إلا الفاسقون أي: الخارجون عن أديانهم، واليهود خرجت بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، عن شريعة موسى .
قوله تعالى: (أوكلما) الواو فيه: واو العطف، ودخل عليها ألف الاستفهام، و"كلما": ظرف.
وقوله: عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم .
[ ص: 181 ] قال المفسرون: إن اليهود عاهدوا -فيما بينهم- لئن خرج محمد صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به، وليكونن معه على مشركي العرب.
فلما بعث نقضوا العهد وكفروا به.
وقال : هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها، كفعل عطاء قريظة والنضير ، عاهدوا ألا يعينوا عليه أحدا، فنقضوا ذلك وأعانوا عليه قريشا يوم الخندق .
وقوله تعالى: بل أكثرهم لا يؤمنون لأنهم من بين كافر ينقض العهد، أو كافر بالجحد لأمر محمد صلى الله عليه وسلم، فأكثرهم غير مؤمنين.