وإن لكم في الأنعام يعني الإبل والبقرة والغنم، لعبرة لدلالة على قدرة الله ، ثم ذكرها، فقال: نسقيكم مما في بطونه من فتح النون فحجته ظاهرة لأنه يقال: سقيته ماء ولبنا، وما كان للشفة فهو بفتح [ ص: 70 ] النون.
ومن ضم النون، فهو من قولهم: أسقاه إذا جعل له شربا، كقوله: وأسقيناكم ماء فراتا وذكر الكناية في بطونه لأن النعم والأنعام شيء واحد، فرجع التذكير إلى النعم إذ كان يؤدي عن معنى الأنعام، وهذا قول الفراء، وأنشد:
وطاب ألبان اللقاح وبرد
فرجع إلى اللبن; لأن اللبن والألبان بمعنى واحد، وقال الكسائي : أراد مما في بطون ما ذكرنا.قال الفراء : وهو الصواب.
وقال المبرد : هذا فاش في القرآن مثل قوله للشمس: هذا ربي .
يعني هذا الشيء الطالع، وكذلك وإني مرسلة إليهم بهدية ثم قال: فلما جاء سليمان ولم يقل: جاءت; لأن المعنى جاء الشيء الذي ذكرنا، وقوله: من بين فرث ودم الفرث سرجين الكرش، قال ابن عباس في رواية الكلبي : إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا، وأعلاه دما، وأوسطه لبنا، فيجري الدم في العروق، واللبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.
فذلك قوله: من بين فرث ودم لبنا خالصا لا يشوبه الدم ولا الفرث، سائغا للشاربين جائزا في حلوقهم، يقال: ساغ الشراب في الحق وأساغه صاحبه.
ومنه قوله: ولا يكاد يسيغه قال أصحابنا: وهذه الآية تدل على أن مني الآدمي طاهر وإن كان في باطنه مجاورا للنجاسات، كاللبن الطاهر يخرج من بين نجسين.
قوله: ومن ثمرات النخيل الآية، قال صاحب النظم: تقدير الآية ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا.
والعرب تضمر ما، كقوله: وإذا رأيت ثم أي: ما ثم، والأعناب عطف على الثمرات، أي: ومن الأعناب، تتخذون منه سكرا وكل ما يسكر، والرزق الحسن ما أحل منهما كالزبيب، والخل، والتمر.
أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي ، نا محمد بن الحسن السراج ، أنا الحسن بن المثنى بن معاذ ، أنا أبو حذيفة [ ص: 71 ] موسى بن مسعود ، أنا سفيان الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن عمرو بن سفيان ، عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ; قال: السكر: ما حرم من ثمرها، والرزق الحسن: ما أحل الله من ثمرها ، رواه الحاكم في (صحيحه ) ، عن أبي النضر الفقيه ، عن معاذ بن نجدة ، عن قبيصة ، عن سفيان ، وهذه الآية نازلة قبل تحريم الخمر، قال مجاهد : أما السكر; فهي الخمر قبل أن تحرم، وأما الرزق الحسن; فالتمر، والعنب، والزبيب، وشبهه.


