إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون
قوله تعالى: إنا أرسلناك بالحق قال : الحق: القرآن، كقوله: ابن عباس حتى جاءهم الحق ، وكقوله: بل كذبوا بالحق لما جاءهم .
وقال ابن كيسان : الحق في هذه الآية: الإسلام، نحو قوله: وقل جاء الحق وزهق الباطل ، والباء في بالحق بمعنى مع، أي: مع الحق، كقوله: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ، وقوله: بشيرا هو فعيل بمعنى فاعل، من بشر يبشر بشرا بمعنى: بشر، ونذيرا أي: منذرا، بمعنى: مخوفا محذرا، كالبديع بمعنى المبدع، قوله: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم قال : مقاتل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن الله أنزل بأسه باليهود آمنوا" فأنزل الله تعالى: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم أي: لست بمسؤول عنهم، وليس عليك من شأنهم عهدة ولا تبعة، فلا تحزن عليهم.
[ ص: 199 ] وقرأنا مع (ولا تسأل) بفتح التاء وجزم اللام، على النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك: أنه سأل جبريل عن قبر أبيه وأمه، فدله عليهما، فذهب إلى القبرين فدعا لهما، فتمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة، فنزل قوله: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم .
[ ص: 200 ] و"الجحيم": النار المتلظية العظيمة، يقال: جحمت النار تجحم جحوما فهي جاحمة وجحيم. قال الله تعالى: فألقوه في الجحيم .
وقوله: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قال المفسرون: كانت اليهود والنصارى يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة، ويطمعونه ويرونه أنه إن هاونهم وأمهلهم اتبعوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأخبر أنه لا يرضيهم إلا ما يستحيل وجوده؛ لأن اليهود لا ترضى عنه إلا بالتهود، والنصارى إلا بالتنصر، ويستحيل الجمع بينهما، وإذا استحال إرضاؤهم فهم لا يرضون أبدا، ومعنى (ملتهم): دينهم.
وقوله قل إن هدى الله هو الهدى قال : يريد أن الذي أنت عليه هو دين الله الذي رضيه، ابن عباس ولئن اتبعت أهواءهم قال : صليت إلى قبلتهم. ابن عباس بعد الذي جاءك من العلم بأن دين الله الإسلام، والقبلة هي الكعبة ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به أمته؛ لأنه معصوم عن اتباع هوى الكافرين ما لك من الله من ولي ولا نصير .
ثم ذكر أن من كان منهم غير متعنت ولا حاسد، ولا طالب رياسة، تلا التوراة كما أنزلت، فرأى فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم حق، فآمن به وهو قوله: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته قال : يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ويقرؤونه كما أنزل، ولا يحرفونه عن مواضعه، وقال ابن مسعود : يتبعونه حق اتباعه. وقال مجاهد : نزلت في الذين قدموا مع ابن عباس من جعفر بن أبي طالب الحبشة ، وكانوا من أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقال : نزلت في مؤمني اليهود. الضحاك