وقوله: [ ص: 305 ] والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم
والذين يرمون المحصنات أي: يرمونهن بالزنا، البلوغ، والعقل، والإسلام، والحرية، والعفة عن الزنا. والإحصان المشروط في المقذوفة حتى يجب الحد على القاذف خمسة أوصاف:
وقوله: ثم لم يأتوا أي: على ما رموهن به من الزنا، بأربعة شهداء عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك، فاجلدوهم يعني: الذين يرمون بالزنا، ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا المحدود في القذف لا تقبل شهادته، وأولئك هم الفاسقون العاصون في مقالتهم.
ثم استثنى، فقال: إلا الذين تابوا من بعد ذلك يذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الاستثناء يعود إلى الفسق فقط، وأما الشهادة فلا تقبل أبدا، وهذا قول شريح، وإبراهيم، وإسحاق، واختيار أهل العراق، وقالوا: وقتادة، قضاء من الله أن لا تقبل شهادته أبدا، وإنما نسخت توبة الفسق وحده.
وقد رأى آخرون أنها نسخت الفسق وإسقاط الشهادة معا، وهو قول الزهري، والقاسم بن محمد، وعطاء، وطاوس، والشعبي، وعكرمة، وقول أهل الحجاز جميعا، واختيار ومجاهد، وقول الشافعي، في رواية ابن عباس قال: فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل. الوالبي،
قال وكلا الفريقين تأول هذه الآية. أبو عبيدة:
فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله أبدا.
ثم استأنف، فقال: وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة، وأما الآخرون فذهبوا إلى أن الكلام معطوف بعضه على بعض، ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل كلام، والذي نختار هذا القول لأن المتكلم بالفاحشة لا يكون أعظم جرما من راكبها، ولا خلاف في فالرامي أيسر جرما إذا نزع، وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، إذا أسلم وأصلح قبلت شهادته، فالقاذف حقه أيضا إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته، وهذا معنى قول العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب، إذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدا فكيف لا تقبلون شهادة القاذف وهو أقل ذنبا. الشافعي:
وقد قال يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته، وهذا إجماع الصحابة. الشعبي:
أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري، نا محمد بن يعقوب المعقلي، نا الربيع، أنا أنا الشافعي، قال: سمعت سفيان بن عيينة، قال: زعم أهل الزهري، العراق أن لا تجوز، فأشهد لأخبرني شهادة القاذف أن سعيد بن المسيب قال عمر بن الخطاب لأبي بكرة: تقبل شهادتك، أو إن تبت قبلت شهادتك، فإن قيل: فما الفائدة في قوله: أبدا؛ قيل: أبد كل إنسان مقدار مدته فيما يتصل بقضيته، تقول: معناه: ما دام كافرا، كذلك القاذف لا تقبل شهادته أبدا ما دام قاذفا، فإذا زال عنه الكفر زال أبدا، وإذا زال عنه الفسق زال أبدا، لا فرق بينهما في ذلك قوله: الكافر لا تقبل منه شيئا أبدا، وأصلحوا قال يريد إظهار التوبة. ابن عباس:
وقال وأصلحوا العمل. مقاتل:
فإن الله غفور لقذفهم، رحيم بهم حيث تابوا.
أخبرنا أبو بكر الحارثي، أنا أبو الشيخ الحافظ، نا أبو يحيى الرازي، نا سهل بن عثمان العسكري، نا عن أبو مالك، جويبر، عن [ ص: 306 ] عن الضحاك، قال: ابن عباس لما نزلت هذه الآية: والذين يرمون المحصنات الآية، قال عاصم بن عدي: ! قال: كذلك أنزلت يا يا رسول الله، لو وجدت على بطن امرأتي رجلا، فقلت لها: يا زانية، أتجلدني بمائتي جلدة إلى أن آتي بأربعة شهداء، قد قضى الرجل منها حاجته، ثم مضى؟ فخرج سامعا مطيعا، فلم يصل إلى منزله حتى استقبله عاصم بن عدي، هلال بن أمية يسترجع، فقال: ما وراءك؟ قال: شر، وجدت شريك بن سحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها، وخولة بنت عاصم، فقال: هذا والله سؤالي النبي، صلى الله عليه وسلم، آنفا، فرجع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره هلال بن أمية بالذي كان، فبعث إليها، فقال: ما يقول زوجك؟ قالت: يا رسول الله، إن ابن السحماء كان يأتينا في منزلنا فيتعلم الشيء من القرآن فربما تركه عندي وخرج زوجي ولم ينكر علي ساعة من ليل ولا نهار فلا أدري أدركته الغيرة، أو قل عليه بالطعام، فأنزل الله، تعالى، آية اللعان: