الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين  ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين  وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من [ ص: 401 ] نذير من قبلك لعلهم يتذكرون  ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين  

                                                                                                                                                                                                                                      وما كنت بجانب الغربي الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي حاضرا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة ، والسدي : يعني جبلا غربيا، وهو اختيار الزجاج ، قال: وما كنت بجانب الجبل الغربي، وقال الكلبي : بجانب الوادي الغربي.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد حيث ناجى موسى ربه، وهو قوله: إذ قضينا إلى موسى الأمر عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، وما كنت من الشاهدين لذلك الأمر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكنا أنشأنا قرونا خلقنا أمما من بعد موسى ، فتطاول عليهم العمر طالت عليهم المهلة، فنسوا عهد الله، وتركوا أمره، قال صاحب النظم: هذا الكلام يدل على أنه قد عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فلما طال عليهم العمر، وخلفت القرون بعد القرون، نسوا تلك العهود، وتركوا الوفاء بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما كنت ثاويا أي مقيما، في أهل مدين كمقام موسى وشعيب عليهما السلام فيهم، تتلو عليهم آياتنا تذكرهم بالوعد والوعيد، قال مقاتل : يقول لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكنا كنا مرسلين أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك لما علمتها، قال الزجاج : المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، وتليت عليك، ولكنا أوحيناها إليك، وقصصناها عليك.

                                                                                                                                                                                                                                      وما كنت بجانب الطور بناحية الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، إذ نادينا قال ابن عباس : إن الله تعالى نادى: يا أمة محمد، قد أجبتكم قبل أن تدعوني، وأعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، ورحمتكم قبل أن تسترحموني.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن رحمة من ربك ولكن رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك، لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك يعني: أهل مكة ، لعلهم يتذكرون لكي يتعظوا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولولا أن تصيبهم مصيبة قال مقاتل : يعني العذاب في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      بما قدمت أيديهم من المعاصي، يعني كفار مكة ، فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا هلا أرسلت إلينا رسولا، فنتبع آياتك يعني القرآن، ونكون من المؤمنين المصدقين بتوحيد الله، والمعنى: لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم، وجواب لولا محذوف تقديره ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية