الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا  وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا  وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا  قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا  ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا  إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا  قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا  

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 37 ] وقل جاء الحق وهو القرآن وزهق الباطل وهو إبليس ، هذا تفسير قتادة إن الباطل كان زهوقا الزهوق : الداحض الذاهب .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا يزيد الظالمين إلا خسارا كلما جاء من القرآن شيء كذبوا به ، فازدادوا فيه خسارا إلى خسارهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا أنعمنا على الإنسان يعني : المشرك أي : أعطيناه السلامة والعافية أعرض عن الله وعن عبادته ونأى بجانبه تباعد عن الله مستغنيا عنه وإذا مسه الشر الأمراض والشدائد كان يئوسا أي : يئس أن يفرج ذلك عنه ، لأنه ليست له نية ولا حسبة .

                                                                                                                                                                                                                                      قل كل يعمل على شاكلته قال قتادة : يعني : على ناحيته ؛ لذا يقوى المؤمن على إيمانه ، والكافر على كفره .

                                                                                                                                                                                                                                      ويسألونك عن الروح تفسير الكلبي : إن المشركين بعثوا رسلا إلى المدينة ، فقالوا لهم : سلوا اليهود عن محمد ، وصفوا لهم نعته وقوله ، ثم ائتونا فأخبرونا ، فانطلقوا حتى قدموا المدينة ، فوجدوا بها علماء اليهود من كل أرض قد اجتمعوا فيها لعيد لهم فسألوهم عن محمد ، ونعتوا لهم نعته ، فقال لهم حبر من أحبار اليهود : إن هذا لنعت النبي الذي يتحدث أن الله باعثه في هذه الأرض . فقالت له رسل قريش : إنه فقير عائل يتيم لم يتبعه من قومه من أهل الرأي أحد ، ولا من ذوي الأسنان فضحك الحبر . وقال : كذلك نجده . قالت له رسل قريش : إنه يقول قولا عظيما ؛ يدعو إلى الرحمن [ ص: 38 ] باليمامة الساحر الكذاب يعنون : مسيلمة . فقالت لهم اليهود : اذهبوا فسلوا صاحبكم عن خلال ثلاث ؛ فإن الذي باليمامة قد عجز عنهن هما اثنان من الثلاث ؛ فإنه لا يعلمهما إلا نبي ، فإن أخبركم بهما فقد صدق ، وأما الثالثة فلا يجترئ عليها أحد ، فقالت لهم رسل قريش : أخبرونا بهن . فقالت لهم اليهود : سلوه عن أصحاب الكهف  والرقيم -وقصوا عليهم قصتهم- وسلوه عن ذي القرنين -وحدثوهم بأمره- وسلوه عن الروح ، فإن أخبركم فيه بشيء ، فهو كاذب . فرجعت رسل قريش إليهم ، فأخبروهم بذلك ، فأرسلوا إلى نبي الله فلقيهم فقالوا : يا ابن عبد المطلب ، إنا سائلوك عن خلال ثلاث ، فإن أخبرتنا بهن فأنت صادق ، وإلا فلا تذكرن آلهتنا بشيء . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما هن ؟ قالوا : أخبرنا عن أصحاب الكهف ؛ فإنا قد أخبرنا عنهم بآية بينة ، وأخبرنا عن ذي القرنين فإنا قد أخبرنا عنه بأمر بين ، وأخبرنا عن الروح ،  فقال رسول الله : أنظروني حتى أنظر ما يحدث إلي فيه ربي ؟ قالوا : فإنا ناظروك فيه ثلاثا . فمكث رسول الله ثلاثة أيام لا يأتيه جبريل ، ثم أتاه جبريل ، فاستبشر به النبي عليه السلام وقال : يا جبريل ، قد رأيت ما سأل عنه قومي ثم لم تأتني! قال له جبريل : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا فإذا شاء ربك أرسلني إليك ، ثم قال له جبريل : إن الله قال : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي : ثم قال له : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم فذكر قصتهم ، وقال : ويسألونك عن ذي القرنين فذكر قصته ، ثم [ ص: 39 ] لقي رسول الله قريشا في آخر اليوم الثالث ، فقالوا : ما أحدث إليك ربك في الذي سألناك عنه ؟ فقصه عليهم فعجبوا ، وغلب عليهم الشيطان أن يصدقوه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : وقوله : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يعني به : اليهود أي : أنهم لم يحيطوا بعلمه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : وبلغني عن بعض التابعين أنه قال : الروح خلق من خلق الله لهم أيد وأرجل .

                                                                                                                                                                                                                                      ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك يعني : القرآن حتى لا يبقى منه شيء ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي : وليا يمنعك من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      إلا رحمة من ربك فيها إضمار يقول : وإنما أنزلناه عليك رحمة من ربك ، الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا أي : عوينا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية