الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى  فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم  وأضل فرعون قومه وما هدى يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى  كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى  وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى  وما أعجلك عن قومك يا موسى  قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى  قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري  فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي  قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي  أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا  

                                                                                                                                                                                                                                      فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا قال الحسن : أتاه جبريل على فرس ، فأمره فضرب البحر بعصاه ، فصار طريقا يبسا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : يعني : ذا يبس .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : بلغني أنه صار اثني عشر طريقا ، لكل سبط طريق .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 122 ] لا تخاف دركا أن يدركك فرعون ولا تخشى الغرق أمامك فأتبعهم فرعون بجنوده قال محمد : يعني : لحقهم فغشيهم من اليم ما غشيهم يقول : فغرقوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وواعدناكم يعني : مواعدته لموسى جانب الطور الأيمن يعني : أيمن الجبل ونزلنا عليكم المن والسلوى وقد مضى تفسيره .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تطغوا فيه أي : لا تعصوا الله في رفع المن والسلوى ، وكانوا أمروا ألا يأخذوا منه لغد ، وقد مضى تفسير هذا فيحل عليكم غضبي أي : فيجب ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى في النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وإني لغفار لمن تاب من الشرك وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى مضى بالعمل الصالح حتى يموت .

                                                                                                                                                                                                                                      وما أعجلك عن قومك يا موسى قال بعضهم : يعني : السبعين الذين اختارهم ، فذهبوا معه للميعاد قال هم أولاء على أثري أي : ينتظرونني بالذي آتيهم به ، وليس يعني أنهم يتبعونه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك أي : ابتليناهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا أي : حزينا شديد الحزن مع غضبه على ما صنع قومه من بعده قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا في الآخرة على التمسك بدينه أفطال عليكم العهد يعني : الموعد قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا أي : بطاقتنا إلى قوله : فنسي .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يحيى : كان وعدهم موسى أربعين ليلة ، فعدوا عشرين يوما وعشرين ليلة ، فقالوا : هذه أربعون ، فقد أخلفنا موسى الوعد ، وكانوا استعاروا من [ ص: 123 ] آل فرعون حليا لهم [أظنه] ليوم العيد ، وكانوا قد أمروا أن يسرى بهم ليلا ، فكره القوم أن يردوا العواري على آل فرعون ، فيفطنوا لهم ، فأسروا من الليل والعواري معهم ؛ وهي الأوزار التي قالوا : حملنا أوزارا أي : أثقالا ، فقال لهم السامري بعد ما مضت عشرون يوما ، وعشرون ليلة : إنما ابتليتم بهذا الحلي فهاتوه . وألقى ما معه من الحلي ، وألقى القوم ما معهم ، فصاغه عجلا ، ثم ألقى في فيه التراب الذي كان أخذه من تحت حافر فرس جبريل يوم جاز بنو إسرائيل البحر فجعل يخور خوار البقرة ؛ فقال عدو الله : هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي : نسي موسى ، المعنى : أن موسى طلب هذا ولكنه (نسيه) وخالفه في طريق آخر ، قال الله : أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا يعني : العجل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : من قرأ (ألا يرجع) بالرفع ، فالمعنى : أنه لا يرجع ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 124 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية