الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      كذبت ثمود المرسلين  إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون  إني لكم رسول أمين  فاتقوا الله وأطيعون  وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين  أتتركون في ما هاهنا آمنين  في جنات وعيون  وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين  فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين  الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون  قالوا إنما أنت من المسحرين  ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين  قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم  ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم  فعقروها فأصبحوا نادمين  فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين  وإن ربك لهو العزيز الرحيم  

                                                                                                                                                                                                                                      أتتركون في ما هاهنا آمنين على الاستفهام ، أي : لا تتركون فيه ونخل طلعها هضيم هشيم ، أي : إذا مس تهشم للينه ؛ هذا تفسير مجاهد وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين قال مجاهد : يعني : شرهين وهو من شره النفس إنما أنت من المسحرين تفسير الحسن ومجاهد : يعني : من المسحورين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : كأنه فعل ذلك به مرة بعد مرة ؛ ولذلك شدد .

                                                                                                                                                                                                                                      ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قالوا له : إن كنت صادقا فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة ، وكانت صخرة يحلبون عليها اللبن في سنتهم ؛ فدعا الله فتصدعت الصخرة فخرجت منها ناقة عشراء فنتجت فصيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد : (عشراء) يعني : حاملا قريبة الولادة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم كانت تشرب الماء يوما ويشربونه يوما ، حتى إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله ، وإذا كان يوم شربهم كان لأنفسهم ومواشيهم وأرضهم ، وكان سبب عقرهم إياها : كانت تضر بمواشيهم كانت المواشي إذا رأتها هربت منها ، فإذا كان الصيف صافت الناقة بظهر الوادي في برده وخصبه ، وهبطت مواشيهم إلى بطن الوادي في جدبه [ ص: 284 ] وحره ، وإذا كان الشتاء شتت الناقة في بطن الوادي في دفئه وخصبه ، وصعدت مواشيهم إلى ظهر الوادي في جدبه وبرده ، حتى أضر ذلك بمواشيهم للأمر الذي أراد الله ، فبينما قوم منهم يوما يشربون الخمر ، ففني الماء الذي يمزجون به ، فبعثوا رجلا ليأتيهم بالماء ، وكان يوم شرب الناقة فرجع إليهم بغير ماء ، وقال : حالت الناقة بيني وبين الماء! ثم بعثوا آخر ، فقال مثل ذلك . فقال بعضهم لبعض : ما تنتظرون ؛ فقد أضرت بنا وبمواشينا ؟ ! فانبعث أشقاها فقتلها ، وتصايحوا وقالوا : عليكم الفصيل . وصعد الفصيل الجبل فقال لهم صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : ذكر لنا أن صالحا حين أخبرهم أن العذاب يأتيهم لبسوا الأنطاع والأكسية واطلوا ، وقال لهم : آية ذلك أن تصفر وجوهكم في اليوم الأول ، وتحمر في الثاني ، وتسود في اليوم الثالث . فلما كان في اليوم الثالث استقبل الفصيل القبلة ، فقال : يا رب ، أمي! يا رب ، أمي! يا رب ، أمي! فأرسل الله عليهم العذاب عند ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 285 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية