وأما الشهوة الخفية: فإن أهل العلم اختلفوا في معناها ، وكان سفيان يقول فيها ما:- 1143 \ م - حدثنا ، قال: قال لي يونس بن عبد الأعلى عن خالد بن نزار: سفيان: " الشهوة الخفية ، الذي يحب أن يحمد على البر [ ص: 812 ] وقال آخرون: هو شهوة النفس لما قد حرمه الله عليها من شرب خمر أو ركوب فاحشة من امرأة لا تحل له ، وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة.
وحكي عن ، أنه كان يقول: هو الرجل يصبح صائما صوما تطوعا ، ثم يصيب طعاما يشتهيه فيفطر من أجله. ابن عيينة
وقال آخرون: هو كل شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصر عليه ، فإنما هو الإصرار ، وإن لم يعمله.
والصواب من القول عندنا أنه شهوة النفس الباطنة لما حل وحرم ، وإنما قال شداد: إن شاء الله ، ما قال من ذلك ، لأن في الرياء ما قد بينت قبل ، وأن الشهوة الخفية إذا أفرطت حملت صاحبها على ركوب ما لا يحل له ركوبه من الزنا ، وشرب الخمر ، والسكر ، والسرق ، وغير ذلك من المحارم.
وإنما خاف شداد من الشهوة الخفية ، ما يحدث عن الشهوة من ركوب الأمور التي حرمها الله على عباده ، وذلك أن من الشهوة ما إذا لم يركب صاحبها ما دعته إليه نفسه من المحارم ، ولم تتعد إلى ما حظر عليها من المآثم ، فغير ضائرة ، بل إلى أن تكون لصاحبها إذا ترك التقدم على ما دعته إليه من المحارم حذار العقاب عليها ، إلى رضى الله مقربة أقرب منها إلى أن تكون له من الله مبعدة ، لأن إماتتها بتحذير النفس عقاب الله ، وخوف وعيده حتى يقمعها أو يردها عن باعث هواها ، وما اهتاج فيها إلى تقويمها على أمر الله تعالى ذكره الذي أمرها به ، هو الجهاد الأكبر الذي لا جهاد أعظم منه ، وقد كان الحسن يقول: ، فقد بين ليس عدوك [ ص: 813 ] الذي إن قتلته استرحت منه ، ولكن عدوك نفسك التي بين جنبيك الحسن بقوله هذا أن رد النفس عن بواعث شهواتها وقمعها عن هياج طلباتها المحرم عليها ركوبها إلى ما يحل لها ويزيل ذلك عنها هو جهاد أعدى الأعداء للمرء ، وذلك لا شك أعظم أجرا عند الله من جهاد أهل الشرك الذين إلى قتلهم السبيل " [ ص: 814 ]