وهذا الذي رواه أبو عبيد عن عبد الرحمن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ، والتفسير الذي فسره كما حكي عنه في ذلك، وإن كان قد أصاب المعنى المراد من الخبر، فلم يصب معنى الكلمة، وذلك أن القائل إذا قال: والله لا فعلت كذا وكذا، ثم قال: إن شاء الله، وهو لا يريد الرجوع عن يمينه، ولكن لقن قوله إن شاء الله، فلقنه، فإن استثناءه وقوله: إن شاء الله، عند من يقول: لا يصح الاستثناء في اليمين، إلا أن يكون المتكلم به قاصدا الاستثناء، مريدا به الثنيا عن يمينه، لا معنى له، وإنما هو عنده بمنزلة الكلمة [ ص: 22 ] تجري على لسان المتكلم به لعادة جرت بلسانه، وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن له معنى في الكلام، وكان لغوا، وليس كذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف" "ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرف" ، بل لاستثناء المعرف من ملتقطي لقط الحرم ، بإباحته له التقاطه دون غيره، معنى مفهوم، وفائدة ليست في قوله: ولا تلتقط لقطتها "عظيمة أدركت بقوله" إلا لمعرف "، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لو كان قال: ، ولم يقل: "لا تلتقط لقطتها" ، لم يكن لأحد من الناس التقاط لقطة "إلا لمعرف" مكة، لا للتعريف ولا لغيره، فلما قال: ، أبان بذلك من قوله أن لواجدها التقاطها للتعريف، غير أنه لما كان من سنته عليه السلام في اللقطة يلتقطها الملتقط في غير "إلا لمعرف" الحرم ، أن لملتقطها الاستمتاع بها بعد تعريفها حولا، وكان الحرم مخصوصا بما خص به بتحريم ما أطلق في غيره من سائر البلاد غيره، كتحريمه عضد شوكه وشجره وعضاهه، وتنفير صيده، كان الأغلب من نهيه عن لقطتها أن يلتقطها إلا المعرف، أنه قد خصه من ذلك بما لم يعم سائر البلاد غيره، كما خصه في صيده وشجره وشوكه بما لم يعم به غيره من البلاد، فلم يكن له وجه يوجه إليه يصح معناه غير الذي قلناه، من أنه صلى الله عليه وسلم إذ أباح للمعرف التقاط لقطته، ولم يطلق له الاستمتاع بها بعد تعريفه إياها مدة مؤقتة، كما أطلق ذلك في لقط سائر البلاد غيره، أنه لا شيء له من التقاطها إلا التعريف، وأنه إن أخذها ليسلك بها سبيل لقط سائر البلاد وغيرها، في أنه إذا عرفها سنة أو ثلاث سنين أو أكثر من [ ص: 23 ] ذلك، استمتع بها إن لم يأت صاحبها، كان آثما متقدما على نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لها بأخذه إياها كذلك ضامنا، إن هلكت في يده كان عليه غرمها لصاحبها متى جاء، عرفها بعد أخذه إياها كذلك أو لم يعرفها، لأن أخذه إياها مريدا بها الاستمتاع بعد مدة تأتي من تعريفه إياها، أخذ منه لها بخلاف ما أذن له بأخذها، فحكمه في ذلك حكم أخذ لقطة في غيرها للاستمتاع بها، لا لتعريفها المدة التي أمر بتعريفها إليها.
وحكي عن آخر غير في ذلك أنه قال: يعني صلى الله عليه وسلم بقوله: عبد الرحمن بن مهدي ، إلا للطالب الذي يطلبها، وهو ربها "، وقال: يقول: فليست تحل إلا لربها، ثم قال: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" أبو عبيد: وهذا حسن في المعنى، ولكنه لا يجوز في العربية أن يقال للطالب: ، إنما المنشد المعرف، والطالب الناشد، يقال منه: نشدت الضالة أنشدها نشدا، إذا طلبتها، فأنا لها ناشد ، ومن التعريف: "أنشدتها إنشادا فأنا منشد" قال: ومما يبين لك أن "الناشد هو الطالب"، حديث "منشد" ، قال: ومعناه: لا وجدت كأنه دعا عليه، قال: وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد، فقال: "أيها الناشد، غيرك الواجد" أبي دواد وهو يصف الثور، فقال:
ويصيخ أحيانا كما اسـ ـــتمع المضل لصوت ناشد
[ ص: 24 ] فإن الأصمعي أخبرني عن أنه كان يعجب من هذا قال: وأحسبه قال: هو أو غيره: أنه أراد بالناشد أيضا رجلا قد ضلت دابته فهو ينشدها، يطلبها، ليتعزى بذلك. أبي عمرو بن العلاء:وهذا الذي استشهد به أبو عبيد على فساد قول من وجه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا لطالب"، علة لفساده موضحة، لو لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك رواية بغير اللفظ الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أكثر الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، أنه قال: "إلا لمنشد" "ولا يلتقط لقطتها إلا معرف" ، أو أو "لمعرف" ، ففي ذلك مستغنى عن الاستشهاد على فساد قول القائل في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لمن عرفها" ، "إلا لطالب"، لأن الطالب لا يقال له في لغة من اللغات "معرف" وقد أبان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا لمنشد" ، أنه عنى به الملتقط المعرف دون الطالب، وأن لا وجه لقول القائل: عني بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إلا لمعرف" ، الطالب، يعقل "إلا لمنشد"