الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              وعلة قائلي هذه المقالة من الأثر: الخبر الذي ذكرناه قبل عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا فعل ذلك - يعني إذا زنى، أو سرق أو شرب الخمر - نزع منه الإيمان، فإن تاب رد إليه"  ، قالوا: ومن نزع منه الإيمان فهو كافر؛ لأنه لا منزلة بين الإيمان والكفر، قالوا: ومن لم يكن من المكلفين مؤمنا فهو كافر، كما أن من لم يكن منهم كافرا فهو مؤمن، قالوا: فإن زعم زاعم أنه جائز أن يكون شخص واحد من أهل التكليف لا مؤمنا ولا كافرا، قلنا لهم: أفتجيزون أن يكون لا عاصيا ولا مطيعا، مع قيام الحجة عليه، وارتفاع الموانع، ولزوم الأمر والنهي إياه؟ [ ص: 648 ] قالوا: فإن أجازوا ذلك، خرجوا من معقول أهل العقل، وإن قالوا: ذلك محال، لأن من قامت عليه حجة الله تعالى ذكره بأمره ونهيه، فغير جائز أن يكون خارجا من إحدى الصفتين، إما تصديق أو تكذيب، وطاعة باجتنابه، أو معصية بإقدامه عليه، إذا كانت الموانع عنه زائلة، قلنا له: وكذلك كل من قامت عليه حجة الله تعالى ذكره بوحدانيته وشرائعه، فإنه غير خارج، مع قيام الحجة عليه بها، من الإيمان أو الكفر، قالوا: وفي إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان ينزع من الزاني، والسارق وشارب الخمر، والمنتهب النهبة التي وصفها حتى يتوب، البيان البين أنه قد أوجب له الكفر حتى يتوب، إذ كان محالا أن يكون مأمورا منهيا، غير كافر ولا مؤمن، قالوا: وفي مفارقة الإيمان إياه، وجوب الكفر له، واعتلوا أيضا لقولهم ذلك بعلل كثيرة غير ما ذكرنا، كرهنا إطالة الكتاب بذكرها، إذ لم يكن كتابنا هذا مقصودا به قصد الإبانة عن مذاهب المخالفين، ونقض علل المعتلين بما لبس عليهم الشيطان، بل قصدنا فيه ذكر الصحيح من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبيان عن معانيه، على ما شرطنا ذلك في مبتدئه

              التالي السابق


              الخدمات العلمية