فمن ذلك يقولون: ما فينا كافر ولا منافق، جذ الله أقدامهم. عبد الله بن مسعود: يعني بقوله: جذ الله أقدامهم قطع الله أقدامهم، وأصل الجذ القطع، يقال منه: جذذت الحبل فأنا أجذه جذا، وهو حبل مجذوذ، ومنه قول الله تعالى ذكره: قول إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ يعني بقوله: عطاء غير مجذوذ غير مقطوع، ولكنه دائم لأهله متصل، ومنه قيل للفتيت من الخبز: جذيذة؛ لأنه مكسر مفتت، صرفت من مجذوذة، وهي مفعولة إلى فعيلة، فقيل: جذيذة، والجذ، والجد، والجذم، والجزل، والقصل والقصب بمعنى واحد، وأما قول لو انتهيت إلى المسجد وهو غاص بأهله، مفعم من الرجال، فإنه يعني بقوله: مفعم من الرجال، مملوء منهم، يقال منه للعظيم الخلق من الإنس والبهائم الممتلئ لحما: فعم، وللساق الممتلئ من اللحم: فعم، ومنه قول بكر بن عبد الله المزني: نابغة بني ذبيان في صفة فرس:
[ ص: 689 ]
فعما نبيل الخلق يسبق عدوه نظر البصير غياية وبراحا
وقول العجاج في وصفه بحرا بالامتلاء من الماء:أراح بعد الغم والتغمغم خشب نفاها دلظ بحر مفعم
يمده آذي بحر عيلم
وأما قول حذيفة بن اليمان: لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة. فإنه يعني بالقذة الريشة الواحدة من ريش السهم، تجمع قذذا، كما روي عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر أبي سعيد الخدري . قوما يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فقال: فأخذ سهمه، فنظر في نصله فلم ير شيئا، ثم نظر في رصافه، فلم ير شيئا، ثم نظر في القذذ، فتمادى أيرى شيئا
[ ص: 690 ] أم لا، فالقذذ الذي أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الرامي نظر إليها، هي جمع القذة، والقذة هي ما وصفت، وإنما أراد حذيفة بقوله: أن أمة نبينا لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة محمد صلى الله عليه وسلم سيتبعون آثار من قبلهم من الأمم حذو القذة بالقذة، وذلك كما يقدر باري السهام الريش التي يركبها عليها حتى يكون بعضها مساويا بعضا، متحاذيات غير مختلفات بالاعوجاج، فكذلك أنتم أيتها الأمة، في مشابهتكم من قبلكم من الأمم فيما عملوا به في أديانهم، وأحدثوا فيها من الأحداث، وابتدعوا فيها من البدع والضلالات، تسلكون سبيلهم، وتستنون في ذلك سنتهم .
[ ص: 691 ]