الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب

              فمن ذلك قول عبد الله بن مسعود: يقولون: ما فينا كافر ولا منافق، جذ الله أقدامهم.  يعني بقوله: جذ الله أقدامهم قطع الله أقدامهم، وأصل الجذ القطع، يقال منه: جذذت الحبل فأنا أجذه جذا، وهو حبل مجذوذ، ومنه قول الله تعالى ذكره: إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ يعني بقوله: عطاء غير مجذوذ غير مقطوع، ولكنه دائم لأهله متصل، ومنه قيل للفتيت من الخبز: جذيذة؛ لأنه مكسر مفتت، صرفت من مجذوذة، وهي مفعولة إلى فعيلة، فقيل: جذيذة، والجذ، والجد، والجذم، والجزل، والقصل والقصب بمعنى واحد، وأما قول بكر بن عبد الله المزني: لو انتهيت إلى المسجد وهو غاص بأهله، مفعم من الرجال، فإنه يعني بقوله: مفعم من الرجال، مملوء منهم، يقال منه للعظيم الخلق من الإنس والبهائم الممتلئ لحما: فعم، وللساق الممتلئ من اللحم: فعم، ومنه قول نابغة بني ذبيان في صفة فرس:

              [ ص: 689 ]

              فعما نبيل الخلق يسبق عدوه نظر البصير غياية وبراحا

              وقول العجاج في وصفه بحرا بالامتلاء من الماء:


              أراح بعد الغم والتغمغم     خشب نفاها دلظ بحر مفعم
              يمده آذي بحر عيلم

              ويقال: أفعم فلان القربة، إذا ملأها ماء، وقربة مفعمة، إذا كانت مملوءة

              وأما قول حذيفة بن اليمان: لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة.  فإنه يعني بالقذة الريشة الواحدة من ريش السهم، تجمع قذذا، كما روي عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر قوما يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فقال: فأخذ سهمه، فنظر في نصله فلم ير شيئا، ثم نظر في رصافه، فلم ير شيئا، ثم نظر في القذذ، فتمادى أيرى شيئا .

              [ ص: 690 ] أم لا، فالقذذ الذي أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الرامي نظر إليها، هي جمع القذة، والقذة هي ما وصفت، وإنما أراد حذيفة بقوله: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة أن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيتبعون آثار من قبلهم من الأمم حذو القذة بالقذة، وذلك كما يقدر باري السهام الريش التي يركبها عليها حتى يكون بعضها مساويا بعضا، متحاذيات غير مختلفات بالاعوجاج، فكذلك أنتم أيتها الأمة، في مشابهتكم من قبلكم من الأمم فيما عملوا به في أديانهم، وأحدثوا فيها من الأحداث، وابتدعوا فيها من البدع والضلالات، تسلكون سبيلهم، وتستنون في ذلك سنتهم .

              [ ص: 691 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية