فمن ذلك قول أنه قال: أبي سعيد الخدري قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يستقى لك من بئر بضاعة، فإنه يلقى فيها ما ينجي الناس والمحايض، يعني بقوله: وإنه يلقى فيها ما ينجي الناس، يعني ما يحدثون من القذر، وهو النجو، يقال منه: أنجى فلان، إذا خري، فهو ينجي إنجاء، وهو نجو فلان، ويقال: ضرب فلان فلانا حتى أنجى، وللنجو أيضا معنى آخر، وهو مصدر من قولهم: نجا فلان أغصان الشجر فهو ينجوها نجوا، إذا قطعها، والنجو أيضا السحاب الذي قد هراق ماءه، فإن أدخلت فيه هاء التأنيث، كانت بخلاف هذه المعاني كلها، وذلك قولهم: فلان بنجوة من هذا الأمر، إذا كان بارتفاع منه حيث لا يصيبه منه أذى ولا مكروه، كما قال: أوس بن حجر في صفة غيث:
فمن بعقوته كمن بنجوته والمستكن كمن يمشي بقرواح
[ ص: 749 ] والنجوة: ما ارتفع من الأرض
وأما قوله في الخبر الآخر: فإن العذر جمع عذرة قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يستقي لك من بئر بضاعة، وإنه يلقى فيها المحايض وعذر الناس،
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الذي رواه عنه، أنه أبو هريرة مكة والمدينة، فقيل له: يردها الكلاب والسباع: "لها ما في بطونها منه وما غبر فهو لنا طهور" ، فإنه سئل عن الحياض بين ، وما بقي، ومنه قول يعني بقوله: "وما غبر" العجاج:
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
يا عجبا من صلتان يقري وكان لا يفري فأمسى يحري
تريك إذا دخلت على خلاء وقد أمنت عيون الكاشحينا
ذراعي عيطل أدماء بكر هجان اللون، لم تقرأ جنينا
والقرو بغير همز، غير ذلك كله، وهو أصل النخلة ينقر، ثم ينتبذ فيه، ومنه الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وأصله منقور صرف إلى نقير، وهو أصل النخلة المنقور. والقرا بفتح القاف - مقصور - الظهر، ومنه قول نهى عن النقير، الطرماح بن حكيم:
[ ص: 751 ]
كصياح نوتي يظل على قرا قيدوم قرواء السراة يندد
تنشطته كل مغلاة الوهق مضبورة قرواء هرجاب فنق
وأما قول جد سلمان بن عتاب: سألت ، فقلت: إنا نرى الحوض يكون فيه السؤرة من الماء - يعني بالسؤرة البقية منه - وسؤرة كل شيء بقيته، ومنه قول سؤر الذئب: أبا هريرة
ناهزت سؤر الذئب عنه الذيبا
[ ص: 752 ] يقال للرجل إذا شرب فأبقى في الإناء منه بقية: "أسأر يسئر إسآرا" ومنه قول الأعشى:
بانت وقد أسأرت في النفس حاجتها بعد ائتلاف، وخير الود ما نفعا
وأما قول "فإذا كان الماء أربعين غربا لم ينجسه شيء" ، فإن الغرب، هو الدلو العظيمة، يتخذ من مسك ثور ينوء بها البعير، يجمع غروبا، ومنه قول أبي هريرة: زهير بن أبي سلمى: .
[ ص: 753 ]
كأن عيني في غربي مقتلة من النواضح تسقي جنة سحقا
وللغرب أيضا وجوه غير ذلك، منها قولهم: في لسان فلان غرب، إذا كانت فيه حدة ويقال لحد كل شيء غربه، كقولهم لحد السيف غربه، ولأطراف الأسنان غروبها، كما قال عنترة:
إذ تستبيك بذي غروب واضح عذب مقبله لذيذ المطعم
باكرتها الأغراب في سنة النو م فتجري خلال شوك السيال
[ ص: 754 ]
إذا انكب أزهر بين السقاة تراموا به غربا أو نضارا
وأما قول إذ سئل عن الكلاب ترد الحياض: إذا وردن الحكر الصغيرة فلا تطعمه "، فإنه يعني بالحكر الصغيرة، محبسا للماء صغيرا كالحوض الصغير، ومنه قول الراجز: أبي هريرة
يا ليتها قد لبست وصواصا وعلقت حاجبها تنماصا
حتى تجيء عصبة حراصا فيجدوني حكرا حياصا
[ ص: 755 ] وأما قول عطاء: وهذه الإضاء تلغ فيها الحمر، والكلاب "، يعني بالإضاء، جمع أضاة، وهو الغدير من الماء، ومنه قول الأعشى:
وكل دلاص كالأضاة حصينة ترى فضلها عن ربها يتذبذب
وأما قول إذا كان الماء ذنوبا أو ذنوبين لم ينجسه شيء "، فإن الذنوب: الدلو العظيمة، ومنه قول الله - تبارك وتعالى -: عكرمة: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون .
[ ص: 756 ]