( القول في البيان عما في هذا الخبر من الفقه )
والذي فيه من ذلك: إبانة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عن تحريم الصدقة للغني عنها، وللصحيح الجسم، القوي على الاحتراف، المستغني بحرفته وكسبه عن الصدقة.
فإن قال قائل: أفكل الصدقة حرام على الغني، وذي المرة السوي؟ أم بعضها؟ قيل له: بل بعضها دون جميعها.
فإن قال: فما الدليل على ذلك، ولا بيان في الخبر أنه معني به، البعض من ذلك دون الكل؟ ومن قولك: إن الخبر إذا ورد بتحريم شيء أو تحليله; أنه على ما ورد به من العموم إلا أن تخصه حجة يجب التسلم لها! فهل من حجة يجب علينا بها التسليم لما قلت من أن الخبر الذي رويت لنا في ذلك معني به بعض الصدقات دون بعض؟ قيل: نعم.
فإن قال: فاذكر لنا ذلك لنعرفه.
قيل: لا خلاف بين الجميع من علماء الأمة: أن التي يكون أصلها محبوسا، وعليها صدقة على الغني والفقير من جنس من الناس، وخاص منهم: أنها جائزة، وأن للمجعول ذلك له من الاغتناء: أخذه وتملكه كما يتملك سائر ما رزقه الله - تعالى ذكره - من مال تميزات أو كسب وهبة، وغير ذلك، فمعلوم بذلك أن الصدقة المحرمة ". لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي التطوع من الصدقات لم يدخل في معنى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "
وأن ذلك إنما عني به الصدقة المفروضة التي فرضها الله في أموال الأغنياء لأهل سهمات الصدقة في بعض الأحوال.
وكذلك أجمعوا على أن غنيا في بلده، لو كان في سفر فذهبت [ ص: 414 ] نفقته، فلم يجد ما يتحمل به إلى موضع ماله، أن له أن يأخذ من الصدقة المفروضة ما يتحمل به إلى موضع ماله.
فمعلوم بذلك أن قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: " " على الخصوص، وأنه معني به من الصدقة المفروضة بعضها لما وصفنا; ولأن الله - تعالى ذكره - قد جعل في الصدقة المفروضة حقا لصنوف من الأغنياء، وهم: المجاهدون في سبيل الله، والعاملون عليها، وأبناء السبيل الذين لهم ببلدهم غنى، وهم منقطع بهم في سفرهم. لا تحل الصدقة لغني
وقد روي بنحو ما قلنا في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من جهة نقل الواحد خبر، وإن كان في إسناده نظر، وذلك ما: