الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ( القول في البيان عما في هذه الأخبار من الغريب )

              فمن ذلك قول: قيس بن أبي حازم: " كان أبو بكر يخرج إلينا، وكأن لحيته ضرام العرفج من الحناء والكتم "; يعني بقوله: ضرام العرفج: لهب نار العرفج في شدة الحمرة، من حمرة الخضاب بالحناء والكتم! يقال منه: اضطرمت النار فهي تضطرم اضطراما: إذا التهبت.

              ومنه قول العجاج:

              سفواء مرخاء تباري مغلجا كأنما يستضرمان العرفجا)

              يعني بقوله: يستضرمان: يستوقدان النار.

              ومنه قول حاتم الطائي: [ ص: 520 ]

              عليك بهاتيك اليفاع فأوقدي     بجزل ولا تستوقدي بضرام

              يعني بالضرام: دقاق العيدان.

              وأما العرفج: فإنها شجرة أضوأ الأشجار - فيما يقال - نارا.

              وهي جمع: واحدتها: عرفجة.

              ومن ذلك قول أبي البلاد الطهوي:

              يا موقد النار أوقدها بعرفجة     لمن تبينها من مدلج سار)

              وأما قول الآخر: " رأيت أبا بكر أبيض الرأس خفيفا، على ناقة له أدماء " فإنه يعني بقوله: " أدماء ": بيضاء تعلوها غبرة.

              وبذلك يوصف أدم الظباء.

              ومن ذلك قول زهير:

              بها العين والآرام والأدم خلفة     وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم

              وأما قول أنس: " ردد ذلك حتى أقناها " فإنه يعني بقوله: أقناها: أشبعها حمرة من الخضاب.

              يقال في ذلك إذا وصف الشيء الأحمر بالإشباع حمرة: هو أحمر قاني.

              كما يقال في الأبيض إذا وصف بشدة البياض، وصفائه: أبيض ناصع.

              وأما قول الآخر: " قدم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المدينة، [ ص: 521 ] وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر، فغلفها بالحناء والكتم   ".

              فإنه يعني بقوله: أشمط: أن شعر رأسه ولحيته قد خالط سواده بياض.

              وكذلك تقول العرب للرجل إذا ابيض من شعر رأسه ولحيته نصفه، ونصفه أسود بعد: أشمط.

              وأصل الشمط: الخلط.

              يقال منه في شمط الشعر: قد شمط شعر فلان، فهو يشمط شمطا.

              وإذا جمع بين شيئين مختلفي الألوان فذلك الشمط.

              يقال من الخلط: شمط يشمط شمطا - بسكون الميم - ومن ذلك قيل للصبح: شميط: لاختلاط بياض الفجر بسواد الليل.

              ومن شمط الشعر، قول أبي النجم:

              إن يمس رأسي أشمط العناصي     كأنما فرقه مناص)

              المناص: ما استرسل من شعر الرأس.

              ويقال من الشعر أيضا: اشماط الشعر، فهو يشماط اشمطاطا.

              ومن ذلك قول الهذلي:

              فما أنت الغداة وذكر سلمى     وأمسى الرأس منك إلى اشمطاط)

              وأما قول أبي جعفر الأنصاري: " رأيت أبا بكر كأن لحيته جمر الغضى ".

              فإن الغضى شجر مضيئة النار.

              شبه حمرة خضاب لحيته بحمرة جمر الغضى.

              وإياها عنى الفرزدق بقوله: [ ص: 522 ]

              كأن مفالق الرمان فيها     وجمر غضى قعدن عليه حام)

              وأما قول ابن عباس لما بنى عمر بأم كلثوم: " دخل عليه مشيخة المهاجرين، فكانت تحفته إياهم أن صفر لحاهم بالملاب ". فإنه يعني بالملاب: الخلوق، وما أشبهه من طيب النساء.

              وإياه عنى جرير بن عطية في قوله للفرزدق:

              أعدوا مع الحلي الملاب فإنما     جرير لكم بعل وأنتم حلائله)

              3 وأما قول جابر بن عبد الله: " جيء بأبي قحافة إلى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ورأسه ولحيته كأنها ثغامة بيضاء   ".

              فإن الثغامة - فيما قيل - شجرة بالبادية معروفة إذا يبست ابيضت، تجمع ثغاما.

              وإياه عنى الفرزدق بقوله:

              وقالوا لنا زيدوا عليهم فإنهم     لغاء وإن كانوا ثغام اللهازم)

              يعني بالثغام جمع الثغامة.

              وأما قول أبي رمثة: " انطلقت مع أبي إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فإذا له وفرة بها ردع من حناء ".

              فإنه يعني بالردع: الأثر.

              وكل أثر من دم أو حناء أو زعفران، أو خلوق، وغير ذلك من صفرة أو حمرة، فإن العرب تسميه ردعا، ولجمعه ردوعا.

              ومنه قول الطرماح بن حكيم:

              تزلزل عن فرع كأن متونه     بها من عبيط الزعفران ردوع)

              [ ص: 523 ] عنى بالردوع: آثار الزعفران.

              ومنه قول قبيصة بن جابر مخبرا عن صاحبه الذي رمى الظبي، فلم يخطئ حشاه: فركب ردعه.

              يعني بقوله: ركب ردعه: ركب أثر الدم.

              التالي السابق


              الخدمات العلمية