فمن ذلك قول: قيس بن أبي حازم: " كان أبو بكر يخرج إلينا، وكأن لحيته ضرام العرفج من الحناء والكتم "; يعني بقوله: ضرام العرفج: لهب نار العرفج في شدة الحمرة، من حمرة الخضاب بالحناء والكتم! يقال منه: اضطرمت النار فهي تضطرم اضطراما: إذا التهبت.
ومنه قول العجاج:
سفواء مرخاء تباري مغلجا كأنما يستضرمان العرفجا)
يعني بقوله: يستضرمان: يستوقدان النار.ومنه قول حاتم الطائي: [ ص: 520 ]
عليك بهاتيك اليفاع فأوقدي بجزل ولا تستوقدي بضرام
وأما العرفج: فإنها شجرة أضوأ الأشجار - فيما يقال - نارا.
وهي جمع: واحدتها: عرفجة.
ومن ذلك قول أبي البلاد الطهوي:
يا موقد النار أوقدها بعرفجة لمن تبينها من مدلج سار)
وبذلك يوصف أدم الظباء.
ومن ذلك قول زهير:
بها العين والآرام والأدم خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
يقال في ذلك إذا وصف الشيء الأحمر بالإشباع حمرة: هو أحمر قاني.
كما يقال في الأبيض إذا وصف بشدة البياض، وصفائه: أبيض ناصع.
وأما قول الآخر: " قدم النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المدينة، [ ص: 521 ] وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر، فغلفها بالحناء والكتم ".
فإنه يعني بقوله: أشمط: أن شعر رأسه ولحيته قد خالط سواده بياض.
وكذلك تقول العرب للرجل إذا ابيض من شعر رأسه ولحيته نصفه، ونصفه أسود بعد: أشمط.
وأصل الشمط: الخلط.
يقال منه في شمط الشعر: قد شمط شعر فلان، فهو يشمط شمطا.
وإذا جمع بين شيئين مختلفي الألوان فذلك الشمط.
يقال من الخلط: شمط يشمط شمطا - بسكون الميم - ومن ذلك قيل للصبح: شميط: لاختلاط بياض الفجر بسواد الليل.
ومن شمط الشعر، قول أبي النجم:
إن يمس رأسي أشمط العناصي كأنما فرقه مناص)
ويقال من الشعر أيضا: اشماط الشعر، فهو يشماط اشمطاطا.
ومن ذلك قول الهذلي:
فما أنت الغداة وذكر سلمى وأمسى الرأس منك إلى اشمطاط)
فإن الغضى شجر مضيئة النار.
شبه حمرة خضاب لحيته بحمرة جمر الغضى.
وإياها عنى الفرزدق بقوله: [ ص: 522 ]
كأن مفالق الرمان فيها وجمر غضى قعدن عليه حام)
وإياه عنى جرير بن عطية في قوله للفرزدق:
أعدوا مع الحلي الملاب فإنما جرير لكم بعل وأنتم حلائله)
فإن الثغامة - فيما قيل - شجرة بالبادية معروفة إذا يبست ابيضت، تجمع ثغاما.
وإياه عنى الفرزدق بقوله:
وقالوا لنا زيدوا عليهم فإنهم لغاء وإن كانوا ثغام اللهازم)
وأما قول أبي رمثة: " انطلقت مع أبي إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فإذا له وفرة بها ردع من حناء ".
فإنه يعني بالردع: الأثر.
وكل أثر من دم أو حناء أو زعفران، أو خلوق، وغير ذلك من صفرة أو حمرة، فإن العرب تسميه ردعا، ولجمعه ردوعا.
ومنه قول الطرماح بن حكيم:
تزلزل عن فرع كأن متونه بها من عبيط الزعفران ردوع)
ومنه قول قبيصة بن جابر مخبرا عن صاحبه الذي رمى الظبي، فلم يخطئ حشاه: فركب ردعه.
يعني بقوله: ركب ردعه: ركب أثر الدم.


