الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2001 - حدثنا أحمد، نا محمد بن عبد العزيز، نا أبي، نا الهيثم، أخبرني أسامة بن زيد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم؛ قال: أخبرنا عمر بن الخطاب؛ قال: [ ص: 176 ] خرجت مع ناس من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية،  فلما خرجنا من مكة نسيت قضاء حاجة، فرجعت، فقلت لأصحابي: ألحقكم، فوالله! إني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد جاء، فأخذ بعنقي، فذهبت أنازعه، فأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكم بعضه على بعض، فدفع إلي مجرفة وفأسا وزنبيلا، وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع؟ فأتاني في الهاجرة وعليه سبنية قصب أرى سائر جسده منها، ثم قال لي: لم أرك أخرجت شيئا، ثم ضم أصابعه، فضرب بها وسط رأسي، فقلت: ثكلتك أمك [يا] عمر، وبلغت ما أرى؟ ! فقمت بالمجرمة، فضربت بها هامته فإذا دماغه قد انتثر، فأخذته ثم واريته تحت التراب، ثم خرجت على وجهي ما أدري أين أسلك، فمشيت بقية يومي وليلتي ومن الغد حتى أصبحت، ثم انتهيت إلى دير فاستظللت في ظله، فخرج إلي رجل من أهل الدير، فقال: يا عبد الله! ما يجلسك ها هنا؟ قلت: أضللت عن أصحابي. قال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فأصب الطعام واسترح ونم، فدخلت، فجاءني بطعام وشراب ولطف [ ص: 177 ] وصعد في البصر وخفضه ثم قال: يا هذا! قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير ويغلب على هذه البلدة. فقلت له: أيها الرجل! قد ذهبت في غير مذهب. قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب. قال: أنت والله! صاحبنا غير شك، فاكتب لي على ديري وما فيه. قلت: أيها الرجل! قد صنعت معروفا فلا تكدره. فقال: اكتب لي كتابا في رق، ليس عليك فيه شيء؛ فإن تك صاحبنا؛ فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى؛ فليس يضرك. قلت: هات، فكتبت له، ثم ختمت عليه، فدعا بنفقة فدفعها إلي وبأثواب وبأتان قد أوكفت، فقال: ألا تسمع. قلت: نعم. قال: اخرج عليها؛ فإنك لا تمر بأهل دير إلا علفوها وسقوها حتى إذا بلغت مأمنك؛ فاضرب وجهها مدبرة؛ فإنها لا تمر بقوم ولا أهل دير إلا علفوها وسقوها حتى تصير إلي، فركبت، فلم أمر بقوم إلا علفوها وسقوها، حتى إذا أدركت أصحابي متوجهين إلى الحجاز فضربت وجهها مدبرة ثم صرت معهم، فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب - وهو صاحب دير العدس - بذلك الكتاب، فلما رآه عمر تعجب منه، فقال: أوف لي بشرطي. فقال عمر: ليس لعمر ولا لابن عمر منه شيء، ولكن عندك للمسلمين منفعة؟ فأنشأ عمر يحدثنا حديثه حتى أتى آخره، فقال له عمر: إن أضفتم المسلمين وهديتموهم الطريق ومرضتم المريض؛ فعلنا ذلك، قال: نعم يا أمير المؤمنين! فوفى له بشرطه

[ ص: 178 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية