الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3422 - حدثنا إبراهيم بن سهلويه، نا عمر بن عبد الكريم، عن عبد الله بن أحمد بن يزيد، عن عبد الله بن عبد الوهاب، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: [ ص: 107 ] بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يتذاكرون فضائل القرآن؛ إذ قال قائل منهم: خاتمة براءة، وقال قائل منهم: خاتمة بني إسرائيل، وقال قائل: كهيعص ، و طه . وأكثروا، وفي القوم عمرو بن معدي كرب الزبيدي في ناحية، إذ قال: يا أمير المؤمنين! فأين أنتم عن عجيبة: بسم الله الرحمن الرحيم  ، فوالله! إن في بسم الله الرحمن الرحيم لعجيبة من العجب. فاستوى عمر رضي الله عنه، وكان متكئا، فجلس، وكان يعجبه حديث عمرو بن عمرو، فقال له: يا أبا ثور! حدثنا بعجيبة بسم الله الرحمن الرحيم فقال: يا أمير المؤمنين! إنه أصابنا في الجاهلية مجاعة شديدة، فأقحمت بفرسي البرية أطلب شيئا، فوالله! ما أصبت إلا بيض النعام، [ ص: 108 ] وإن فرسي لتقمقم من غثاء البرية، فبينما أنا كذلك؛ إذ رفعت لي خيل وماشية وخيمة، فأتيت الخيمة، فإذا أنا بجارية كأحسن البشر، وإذا بفناء الخيمة شيخ متكئ، فقلت لما دخلني من هول الجارية ومن ألم الجوع: استأسر، ثكلتك أمك. فقال: يا هذا! إن أردت القرى؛ فانزل، وإن أردت معونة؛ أعناك. فقلت: استأسر، ثكلتك أمك. فقال لي مثل قوله الأول، قال: ونهض نهوض شيخ لا يقدر على القيام، فدنا مني وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم جذبني إليه؛ فإذا أنا تحته وهو فوقي، فقال لي: أقتلك أم أخلي عنك؟ فقلت: بل خل عني. فنهض عني وهو يقول:

(عرضنا عليك النزل منا تفضلا فلم ترعوي جهلا كفعل الأشائم)


(وجئت بعدوان وظلم ودون ما     تمنيته في البيض جز الغلاصم)

فقلت في نفسي: يا عمرو! أنت فارس العرب؟ ! للموت أهون من الهرب من هذا الشيخ الضعيف، فدعتني نفسي إلى معاودته ثانية. وأنشأت أقول:

(رويدك لا تعجل بليت بصارم     سليل المعالي هزبري قماقم)


(أإن ذل عمرو ذلة أعجمية     ولم يك يوما للفرار بحاجم)


(طمعت لما منتك نفسك تسلمن     سقتك المنايا كأسها بالصرائم)


(فمالك فابذل دون نفسك تسلمن     هنالك أو تصبر لجز الغلاصم)


(فما دون ما تهواه للنفس مطمع     سوى أن أحز الرأس منك بصارم)

ثم قلت: استأسر، ثكلتك أمك. فدنا مني وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ، [ ص: 109 ] ثم جذبني جذبة مثلث تحته، فاستوى على صدري، فقال: أقتلك أم أخلي عنك؟ فقلت: بل خل عني. فنهض وهو يقول:

(ببسم الله والرحمن فزنا     قديما والرحيم به قهرنا)


(وهل تغني جلادة ذي حفاظ     إذا يوما بمعترك نزلنا)


(وهل شيء يقوم لذكر ربي     وقدما بالمسيح هناك عذنا)


(سأقسم كل ذي جن وإنس     إذا يوما لمعضلة خللنا)

[فعاودتني نفسي] ، فقلت: استأسر، ثكلتك أمك. فدنا مني أيضا وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم ، فملئت منه رعبا يا أمير المؤمنين وكنا لا نعرف مع اللات والعزى شيئا، ثم جبذني جبذة فصرت تحته، فقلت: خل عني، فقال: هيهات بعد ثلاث مرار، ما أنا بفاعل. ثم قال: يا جارية! ائتني بشفرة، فأتت بها، فجز ناصيتي ثم نهض وهو يقول:

(مننا على عمرو فعاد لحينه     وثنى فثنينا فساء بما فعل)


(وفي اسم ذي الآلاء عز ومنعة     ومحترز لو كان سامعه عقل)

وكنا يا أمير المؤمنين إذا جز نواصينا؛ استحيينا أن نرجع إلى أهالينا حتى تنبت، فرضيت أن أخدمه حولا، فلما حال علي الحول؛ قال لي: يا عمرو! إني أريد أن تنطلق معي إلى البرية، وما بي من وجل، وإني لواثق ب بسم الله الرحمن الرحيم . فانطلقت معه حتى إذا أتى واديا فهتف بأهله ب: بسم الله الرحمن الرحيم ، فلم يبق طائر في وكره إلا طار، ثم هتف الثانية؛ فلم يبق سبع في مربضه إلا نهض. ثم هتف [ ص: 110 ] الثالثة؛ فإذا هو بأسود كالنخلة السحوق، فإذا هو لابس شعرا، فرعبت، فقال الشيخ: لا ترع يا عمرو، إذا نحن اصطرعنا، فقل: غلبه صاحبي ب بسم الله الرحمن الرحيم . قال: فاصطرعا، فقلت: غلبه صاحبي باللات والعزى، فلطمني لطمة كاد يقلع رأسي، فقلت له: لست بعائد. فاصطرعا. فقلت: غلبه صاحبي ب بسم الله الرحمن الرحيم . قال: فعلاه الشيخ، فبعجه كما يبعج الفرس، وشق بطنه واستخرج منه كهيئة القنديل الأسود، فقال لي: يا عمرو! هذا غشه وكفره. قلت له: فداك أبي وأمي، ما لك ولهؤلاء القوم؟ فقال: يا عمرو! إن الجارية التي رأيت في الخباء هي الفارعة ابنة المستورد، وكان رجلا من الجن، وكان مؤاخيا لي، وكان على دين المسيح عليه السلام، وهؤلاء قومها يغزوني كل سنة منهم رجل؛ فينصرني الله عليه ب بسم الله الرحمن الرحيم . فانطلقنا حتى أمعنا في البرية، قال: يا عمرو! قد رأيت ما كان مني وأنا جائع، فالتمس لي شيئا آكله، فالتمست؛ فما وجدت إلا بيض النعام، فأتيته به وهو نائم قد توسد إحدى يديه وتحته سيفه، وهو سيف طوله سبعة أشبار وعرضه أقل من شبرين وهو الصمصامة، فاستخرجت سيفه من تحته فضربته ضربة قطعته من الساقين، فقال لي: يا غدار! ما أغدرك! فلم أزل أضربه حتى قطعته إربا إربا. فغضب عمر رحمة الله عليه وقال: وأنا أقول كما قال العبد [ ص: 111 ] الصالح: يا غدار! ظفر بك رجل من المسلمين فأنعم عليك ثلاث مرار، ووجدته نائما فقتلته، والله! لو كنت مؤاخذك في الإسلام بما فعلت في الجاهلية لقتلتك أنا به. ثم أنشأ عمر يقول:

(إذا قتلت أخا في السلم تظلمه     أنى لما جئته في سالف الحقب)
(الحر يأنف مما أنت تفعله     تبا لما جئته في العجم والعرب)
(لو كنت آخذا في الإسلام ما فعلت     أهل الجهالة والإشراك والصلب)
(لنالك اليوم مني من مطالبة     يدعى لذائقها بالويل والحرب)

ثم قال: ما كان من حديثه يا عمرو؟ ! قال: فأتيت الخيمة، فاستقبلتني الجارية، فقالت: يا عمرو! ما فعل الشيخ؟ قلت: قتله الجني. قالت: كذبت، بل قتلته أنت يا غدار. ثم دخلت الخيمة، فجعلت تبكيه وهي تقول:

(عين جودي لفارس مغوار     واندبيه بواكفات غزار)
(سبع وهو ذو وفاء وعهد     ورئيس الفخار يوم الفخار)
(لهف نفسي على بقائك يا عمرو     وأسلمته الحماة للأقدار)
(بعد ما جز ما به كنت تسمو     في زبيد ومعشر الكفار)
(ولعمري لو رمته أنت حقا     رمت منه كصارم بتار)
(فجزاك المليك سوءا وهونا     عشت منه بذلة وصغار)

فدخلت الخيمة أريد قتلها، فلم أر أحدا كأن الأرض ابتلعتها، فاقتلعت الخيمة وسقت الماشية حتى انتهيت بها قومي من بني زبيد

[ ص: 112 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية