(وقد بهرت فما تخفى على أحد إلا على أحد لا يعرف القمرا)
وقول الله عز وجل: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار في الدنيا؛ لأنه احتجب عز وجل عن جميع خلقه في الدنيا، ويتجلى لهم يوم الحساب ويوم الجزاء والقصاص؛ فيراه المؤمنون كما يرون القمر في ليلة البدر، لا يختلفون فيه كما لا يختلفون في القمر ليلة البدر. وقول موسى [صلى الله عليه وسلم] : رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ؛ يعني: في الدنيا، وذلك أن موسى [صلى الله عليه وسلم] علم أن الله تبارك وتعالى يرى يوم القيامة، فسأل الله عز وجل أن يعجل له في الدنيا [ ص: 289 ] ما أجله لأنبيائه وأوليائه يوم القيامة، فقال: لن تراني ، يعني: في الدنيا، ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني . أعلمه أن الجبل لا يقوم لتجليه حتى يصير دكا، وأن الجبال إذا ضعفت عن احتمال ذلك؛ فابن آدم أحرى أن يكون أضعف، إلى أن يعطيه الله عز وجل يوم القيامة من النور ما يقوى به على النظر، ويكشف عن بصره الغطاء الذي كان في الدنيا، والله جل وعز يقول: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة . ويقول في سخطه عليهم: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ؛ إنما في هذا القول دليل على أن الوجوه الناضرة هي التي إلى ربها ناظرة، وهي التي لا تحجب إذ حجبت هذه الوجوه. قال وقرأت في الإنجيل أن أبو محمد: المسيح [صلى الله عليه وسلم] لما فتح فاه بالوحي؛ قال: طوبى للذين يرحمون! فعليهم تكون الرحمة، طوبى للمخلصة قلوبهم! الذين يرون الله ربهم عز وجل. قال نحن نؤمن بجميع ما جاء في مثل هذا في القرآن وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، وننتهي في صفاته جل جلاله إلى حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ندفع ما صح عنه؛ بل نؤمن بذلك كله من غير أن نقول فيه بكيفية أو حد أو تفسير، وأرجو أن يكون ذلك من القول والعقد سبيل النجاة غدا إن شاء الله عز وجل أبو محمد:[ ص: 290 ]