الثانية : جاء في حديث   أبي هريرة  وأنس     - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "  ما من حافظين يرفعان إلى الله - تعالى - ما حفظا فيرى الله - تعالى - في أول الصحيفة خيرا ، وفي آخرها خيرا إلا قال للملائكة : اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة     " أخرجه   الطبراني  وغيره ، قال  الحافظ ابن رجب     : وهو موجود في بعض نسخ كتاب  الترمذي     . وفي حديث آخر مرفوع : "  ابن  آدم   اذكرني من أول النهار ساعة ، ومن آخر النهار ساعة أغفر لك ما بين ذلك إلا الكبائر ، أو تتوب منها     "  وقال   ابن المبارك     : من ختم نهاره بذكر الله كتب نهاره كله ذكرا  ، يشير إلى أن  الأعمال      [ ص: 452 ] بالخواتيم      . قال  الحافظ ابن رجب     : فإذا كان البداية ، والختام ذكرا ، فهو أولى أن يكون حكم الذكر شاملا للجميع . انتهى .  
الثالثة : قوله في الخبر : حتى أنينه في مرضه ، ربما أشعر بأنه مما يكتبه كاتب السيئات ; لأنه يكتب كل ما أهمل كاتب الحسنات ، ويدل له قول علمائنا يكره الأنين ، قال في الفروع : على الأصح لأنه يترجم عن الشكوى ، ما لم يغلبه ، مع أنه جاء في الحديث "  المريض أنينه تسبيح وصياحه تكبير ، ونفسه صدقة ، ونومه عبادة ، وتقلب من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله     " لكن قال  الحافظ ابن حجر     : إنه ليس بثابت . وقد روى   الإمام أحمد  في الزهد  عن   طاوس  أنه قال : أنين المريض شكوى     . قال  ابن حجر  في شرح   البخاري     : وقد جزم  أبو الطيب ابن الصباغ  وجماعة من  الشافعية  أن  أنين المريض   مكروه ، وتأوهه مكروه . وتعقبه  الإمام النووي  فقال : هذا ضعيف ، أو باطل ، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود ، وهذا لم يثبت فيه ذلك . ثم قال : فلعلهم أرادوا بالكراهية خلاف الأولى ، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى . انتهى .  
قال  الحافظ ابن حجر     : ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون  كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين   ، وتشعر بالتسخط للقضاء وتورث شماتة الأعداء . انتهى .  
الرابعة : جاء في الأحاديث أن  الحافظين يقيمان على قبر المؤمن يسبحان الله - تعالى - ويهللانه ويكبرانه   ، ويكتب ثوابه للميت إلى يوم القيامة وأنهما يلعنان الكافر ، ففي حديث   أبي بكر الصديق     - رضي الله عنه - مرفوعا "  إذا قبض العبد المؤمن صعد ملكاه إلى السماء ، فقال الله وهو أعلم : ما جاء بكما ؟ فيقولان : رب قبضت عبدك ، فيقول لهما : ارجعا إلى قبره فسبحاني واحمداني وهللاني إلى يوم القيامة ، فإني قد جعلت مثل أجر تسبيحكما وتحميدكما وتهليلكما له ثوابا مني ، فإذا كان العبد كافرا فمات ، صعد ملكاه إلى السماء فيقول لهما الله : ما جاء بكما ؟ فيقولان : رب قبضت عبدك وجئناك ، فيقول لهما : ارجعا إلى قبره فالعناه إلى يوم القيامة ، فإنه كذبني وجحدني ، وإني جعلت لعنتكما عذابا أعذبه به يوم القيامة     " وروي أيضا من حديث   أبي سعيد الخدري     - رضي الله عنه - مرفوعا ، وفيه : "  فائذن لنا أن نسكن السماء ، فيقول سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني ، فيقولان ائذن لنا نسكن الأرض      [ ص: 453 ] فيقول : أرضي مملوءة من خلقي يسبحونني ، ولكن قوما على قبره فسبحاني واحمداني وهللاني ، واكتباه لعبدي إلى يوم القيامة     " وروي أيضا من حديث  أنس     - رضي الله عنه - كلفظ حديث  أبي سعيد  ، وقد أورده  الحافظ ابن الجوزي  في كتابه الموضوعات بطرقه الثلاثة ، وحكم عليه بالوضع ، وتعقبه  جلال الدين السيوطي  بما حاصله أن الحديث قد أخرجه  البيهقي  في كتابه شعب الإيمان وقال : فيه  ابن مطر  ليس بالقوي . ثم إنه لم ينفرد به فقد تابعه عن   ثابت البناني  حماد  وأخرجه أيضا  البيهقي  ،  والهيثم بن حماد  ، وأخرجه   ابن أبي الدنيا  في ذكر الموت ، قال   الحافظ البيهقي     : وله شاهد آخر عن  أنس  ، ثم روى بإسنادين عنه نحوه مرفوعا .  
وقال  الشيخ ولي الدين العراقي  في فتاويه المكية في حديث  أبي سعيد     : فيه   عطية العوفي  ضعيف لكن ليس بكذاب ، وقد رواه عنه   مسعر  وهو إمام جليل ، فإن وجد له شاهد قوي عنده . انتهى . فها أنت ترى له شواهد عدة . انتهى وقد ذكرت ما فيه من مختصر الموضوعات .  
وبالله التوفيق .  
				
						
						
