( ( واحذر من الخوض الذي قد يزري بفضلهم مما جرى لو تدري ) ) ( ( فإنه عن اجتهاد قد صدر
فاسلم أذل الله من لهم هجر ) )
وقد روى الديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه : " إذا أراد الله تعالى برجل من أمتي خيرا ألقى حب أصحابي في قلبه " . وأخرج الترمذي من حديث - رضي الله عنه - مرفوعا : " عبد الله بن مغفل " . والذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنه يجب الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ، بإثبات العدالة لهم ، والكف عن الطعن فيهم ، والثناء عليهم ، فقد أثنى الله سبحانه عليهم في عدة آيات من كتابه العزيز ، على أنه لو لم يرد عن الله ولا عن رسوله فيهم شيء لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة ، والجهاد ، ونصرة الدين ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين ، القطع بتعديلهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل جميع الأمة بعد نبيهم ، هذا مذهب كافة الأمة ، ومن عليه المعول من الأئمة ، وأما من شذ من أهل الزيغ والابتداع ، ممن ضل وأضل فلا التفات إليهم ولا معول عليهم ، ولهذا قال الإمام على كل أحد تزكية جميع الصحابة أبو زرعة العراقي - من أجل شيوخ مسلم - : إذا رأيت الرجل ينتقص [ ص: 389 ] أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن القرآن حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق ، وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة ، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة ، فيكون الجرح به أليق ، والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق . وقال : الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال تعالى : ( ابن حزم لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) وقال تعالى : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) فثبت أن جميعهم من أهل الجنة . والحاصل أنه لا يهجر الصحابة ويعاديهم إلا عدو لله مبعود من رحمة الله خبيث زنديق ، والله ولي التوفيق .
قال العلامة ابن حمدان في نهاية المبتدئين : مستحلا كفر ، وإن لم يستحل فسق ، وعنه : يكفر مطلقا ، وإن فسقهم أو طعن في دينهم أو كفرهم كفر ، والله تعالى أعلم . ولما أنهى الكلام عن الصحابة الكرام ، حسبما يقتضيه المقام ، وإن كان ما ذكر في جنب ما سكت عنه كقطرة من بحر طام ، وذبالة من نور عام ؛ ذكر التابعين لهم بإحسان ، ثم تابعيهم كما قال خير الأنام ، فقال : من سب أحدا من الصحابة