( ( والعلم ) ) أي علم الله تعالى ، ( ( والكلام ) ) أي كلامه سبحانه وتعالى ، أي كل واحد منهما قديم ، فعلمه تعالى واحد وجودي قديم باق ذاتي ، وكلامه تعالى قديم وجودي ذاتي ، ( ( قد تعلقا ) ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=28723علم الله وكلامه أي كل واحد منهما قد تعلق ( ( بكل شيء ) ) من الأشياء من الجائزات والواجبات والمستحيلات ، فيجب شرعا أن يعلم أن علم الله غير متناه من حيث تعلقه ، إما بمعنى أنه لا ينقطع - وهو واضح - ، وإما بمعنى أنه لا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم فإنه يحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال ، ونعيم الجنة ، فهو شامل لجميع المتصورات سواء كانت واجبة كذاته وصفاته ، أو مستحيلة كشريك له تعالى ، أو ممكنة كالعالم بأسره ، الجزيئات من ذلك والكليات ، على ما هي عليه من جميع ذلك ، وأنه واحد لا تعدد فيه ، ولا تكثر ، وإن تعددت معلوماته
[ ص: 158 ] وتكثرت ، أما وجوب عموم تعلقه سمعا فمثل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282والله بكل شيء عليم -
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض -
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77يعلم ما يسرون وما يعلنون إلى غير ذلك من الآيات القرآنية .
وأما وجوب ذلك عقلا فلأن المقتضي للعالمية هو الذات ، إما بواسطة المعنى الذي هو العلم على ما هو مذهب الصفاتية والسلف ، وهو الحق ، أو بدونها على ما هو رأي النفاة ، والمقتضي للمعلومية إمكانها ، ونسبة الذات إلى الكل على السواء ، فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لكان ذلك بمخصص ، وهو محال لامتناع احتياج الواجب في صفاته وسائر كمالاته إلى التخصيص لمنافاته لوجوب الوجود ، والغنى المطلق ، وأما وجوب وحدته فلأن الناس جملة وتفصيلا انحصروا في فريقين أحدهما أثبت العلم القديم مع وحدته ، والآخر نفاه ، ولم يذهب إلى تعدد علوم قديمة أحد يعتمد عليه إلا
nindex.php?page=showalam&ids=14636أبو سهل الصعلوكي من
الأشاعرة حيث قال إن لله علوما لا نهاية لها كما أن متعلقاتها كذلك ، وهو محجوج بالإجماع السابق لمقالته .
فإن قيل
nindex.php?page=treesubj&link=28713كيف يستقيم القول بوحدة العلم مع كونه تعالى عالما بما كان ، وبما سيكون ، وبالكائن ، والعلم بذلك كذلك متغاير ؟ . فالجواب أن الباري جل شأنه في أزله يتعلق علمه بوجود الشيء مضافا إلى محله المعين فالمضي والحال والاستقبال من عوارض الأخبار عن تعلق علمه تعالى ، لا ظروف للعلم لأنه ليس بزماني حتى يوصف بالماضي والحاضر والمستقبل .
ومنشأ الشبهة من حيث الإخبار عن ذلك التعلق المخصوص بالقول اللفظي ، فإن تقدم زمن الإخبار عنه على زمن وجود ذلك الفعل ، سمي الإخبار مستقبلا ، وإن تأخر سمي ماضيا ، وإن قارن سمي حالا ، فهي مسميات تعرض باعتبار الإخبار عنه .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28723تعلق العلم بوجوده في الزمان المعين فشيء واحد . وبعض
الأشاعرة جعل للعلم تعلقين : أزلي ، وتنجيزي كالقدرة والإدارة ، وقال : وتكون تلك الإخبارات راجعة للتعلق التنجيزي .
قلت : ومذهب السلف بمعزل عما يراد من هذا ، فإن الله تعالى قديم ، وصفاته قديمة ، وأفعاله قديمة ، وما يتخيل للعقل من أنواع التغيرات والتخالفات نسب وإضافات بالنسبة لإدراكاتنا ، والله تعالى الموفق .
( ( وَالْعِلْمُ ) ) أَيْ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى ، ( ( وَالْكَلَامُ ) ) أَيْ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدِيمٌ ، فَعِلْمُهُ تَعَالَى وَاحِدٌ وُجُودِيٌّ قَدِيمٌ بَاقٍ ذَاتِيٌّ ، وَكَلَامُهُ تَعَالَى قَدِيمٌ وُجُودِيٌّ ذَاتِيٌّ ، ( ( قَدْ تَعَلَّقَا ) ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28723عِلْمُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ تَعَلَّقَ ( ( بِكُلِّ شَيْءٍ ) ) مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْجَائِزَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ ، فَيَجِبُ شَرْعًا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهٍ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقِهِ ، إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ - وَهُوَ وَاضِحٌ - ، وَإِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِحَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ فَإِنَّهُ يُحِيطُ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ كَالْأَعْدَادِ وَالْأَشْكَالِ ، وَنَعِيمِ الْجَنَّةِ ، فَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْمُتَصَوَّرَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً كَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ ، أَوْ مُسْتَحِيلَةً كَشَرِيكٍ لَهُ تَعَالَى ، أَوْ مُمْكِنَةً كَالْعَالَمِ بِأَسْرِهِ ، الْجُزَيْئَاتُ مِنْ ذَلِكَ وَالْكُلِّيَّاتُ ، عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا تَعَدُّدَ فِيهِ ، وَلَا تَكَثُّرَ ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مَعْلُومَاتُهُ
[ ص: 158 ] وَتَكَثَّرَتْ ، أَمَّا وُجُوبُ عُمُومِ تَعَلُّقِهِ سَمْعًا فَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ -
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=3عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ -
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=77يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ .
وَأَمَّا وُجُوبُ ذَلِكَ عَقْلًا فَلِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْعَالِمِيَّةِ هُوَ الذَّاتُ ، إِمَّا بِوَاسِطَةِ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الصِّفَاتِيَّةِ وَالسَّلَفِ ، وَهُوَ الْحَقُّ ، أَوْ بِدُونِهَا عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ النُّفَاةِ ، وَالْمُقْتَضِي لِلْمَعْلُومِيَّةِ إِمْكَانُهَا ، وَنِسْبَةُ الذَّاتِ إِلَى الْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ ، فَلَوِ اخْتَصَّتْ عَالِمِيَّتُهُ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ لَكَانَ ذَلِكَ بِمُخَصِّصٍ ، وَهُوَ مُحَالٌ لِامْتِنَاعِ احْتِيَاجِ الْوَاجِبِ فِي صِفَاتِهِ وَسَائِرِ كَمَالَاتِهِ إِلَى التَّخْصِيصِ لِمُنَافَاتِهِ لِوُجُوبِ الْوُجُودِ ، وَالْغِنَى الْمُطْلَقِ ، وَأَمَّا وُجُوبُ وَحْدَتِهِ فَلِأَنَّ النَّاسَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا انْحَصَرُوا فِي فَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَثَبَتَ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ مَعَ وَحْدَتِهِ ، وَالْآخَرُ نَفَاهُ ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى تَعَدُّدِ عُلُومٍ قَدِيمَةٍ أَحَدٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=14636أَبُو سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ مِنَ
الْأَشَاعِرَةِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عُلُومًا لَا نِهَايَةَ لَهَا كَمَا أَنَّ مُتَعَلِّقَاتِهَا كَذَلِكَ ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ السَّابِقِ لِمَقَالَتِهِ .
فَإِنْ قِيلَ
nindex.php?page=treesubj&link=28713كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِوَحْدَةِ الْعِلْمِ مَعَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِمَا كَانَ ، وَبِمَا سَيَكُونُ ، وَبِالْكَائِنِ ، وَالْعِلْمِ بِذَلِكَ كَذَلِكَ مُتَغَايِرٌ ؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَارِيَ جَلَّ شَأْنُهُ فِي أَزَلِهِ يَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِوُجُودِ الشَّيْءِ مُضَافًا إِلَى مَحَلِّهِ الْمُعَيَّنِ فَالْمُضِيُّ وَالْحَالُ وَالِاسْتِقْبَالُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَخْبَارِ عَنْ تَعَلُّقِ عِلْمِهِ تَعَالَى ، لَا ظُرُوفَ لِلْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَمَانِيٍّ حَتَّى يُوصَفَ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ .
وَمَنْشَأُ الشُّبْهَةِ مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ الْمَخْصُوصِ بِالْقَوْلِ اللَّفْظِيِّ ، فَإِنْ تَقَدَّمَ زَمَنُ الْإِخْبَارِ عَنْهُ عَلَى زَمَنِ وُجُودِ ذَلِكَ الْفِعْلِ ، سُمِّيَ الْإِخْبَارُ مُسْتَقْبَلًا ، وَإِنْ تَأَخَّرَ سُمِّيَ مَاضِيًا ، وَإِنْ قَارَنَ سُمِّيَ حَالًا ، فَهِيَ مُسَمَّيَاتٌ تَعْرِضُ بِاعْتِبَارِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28714_28723تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ فِي الزَّمَانِ الْمُعَيَّنِ فَشَيْءٌ وَاحِدٌ . وَبَعْضُ
الْأَشَاعِرَةِ جَعَلَ لِلْعِلْمِ تَعَلُّقَيْنِ : أَزَلِيٌّ ، وَتَنْجِيزِيٌّ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِدَارَةِ ، وَقَالَ : وَتَكُونُ تِلْكَ الْإِخْبَارَاتُ رَاجِعَةً لِلتَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ .
قُلْتُ : وَمَذْهَبُ السَّلَفِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يُرَادُ مِنْ هَذَا ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِيمٌ ، وَصِفَاتُهُ قَدِيمَةٌ ، وَأَفْعَالُهُ قَدِيمَةٌ ، وَمَا يُتَخَيَّلُ لِلْعَقْلِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّغَيُّرَاتِ وَالتَّخَالُفَاتِ نِسَبٌ وَإِضَافَاتٌ بِالنِّسْبَةِ لِإِدْرَاكَاتِنَا ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ .