الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
282 - عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني الرقي أبو الحسن .

سمع من ابن علية ، وأبي معاوية ، وعلي بن عاصم ، وإسحاق الأزرق ، ويزيد بن هارون في آخرين. [ ص: 213 ]

وذكره أبو بكر الخلال فقال: الإمام في أصحاب أحمد جليل القدر كان سنه يوم مات دون المائة، فقيه البدن، كان أحمد يكرمه ويفعل معه ما كان يفعله مع غيره.  

قال لي: صحبت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين.

قال وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم عليه الوقت بعد الوقت. قال: وكان أبو عبد الله يضرب لي مثل ابن جريج في عطاء، من كثرة ما أسأله ويقول لي: ما أصنع بأحد ما أصنع بك.

وعنده عن أبي عبد الله مسائل في ستة عشر جزءا منها جزأين كبيرين بخط جليل، مائة ورقة إن شاء الله أو نحو ذلك لم يسمعه منه أحد غيري فيما علمت من مسائل لم يشركه فيها أحد، كبار جياد تجوز الحد في عظمتها وقدرها وجلالتها.

وكان أبو عبد الله يسأله عن أخباره ومعاشه ويحثه على إصلاح معيشته، ويعتني به عناية شديدة، وقدمت عليه ثلاث مرات وسمعته يقول: ولدت سنة إحدى وثمانين ومائتين.

أخبرنا بركة ، أخبرنا إبراهيم عن عبد العزيز ، حدثنا الخلال ، حدثني الميموني قال: قلت: يا أبا عبد الله تفرق بين الإسلام والإيمان؟ قال: نعم. قلت: بأي شيء تحتج؟ قال: عامة الأحاديث تدل على هذا، ثم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن وقال الله تعالى: " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " وحماد بن زيد كان يفرق بين الإسلام والإيمان  قال: حدثنا أبو سلمة الحراني قال: قال مالك بن أنس وذكر قولهم وقول حماد بن زيد : فرق بين الإسلام والإيمان قال: ابن حنبل لو لم يجئنا في الإيمان إلا هذا كان حسنا. قلت لأحمد : فتذهب إلى ظاهر [ ص: 214 ] الكتاب مع السنن؟ قال: نعم. قلت: فإذا كانت المرجئة تقول: الإسلام هو القول؟  قال: هم يصيرون هذا كله واحدا، ويجعلونه مسلما مؤمنا واحدا على إيمان جبريل مستكمل الإيمان. قلت: فمن ههنا حجتنا عليهم؟ قال: نعم.

وقال الميموني سألت أبا عبد الله عن مسائل فكتبتها فقال: أيش تكتب يا أبا الحسن فلولا الحياء منك ما تركتك تكتبها وإنه علي لشديد، والحديث أحب إلي منها.

قلت: إنما تطيب نفسي في الحمل عنك أنك تعلم منذ مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد لزم أصحابه قوم، ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمونه ويكتبون. قال: من كتب؟ قلت أبو هريرة قال: وكان عبد الله بن عمرو يكتب ولم أكتب فحفظ وضيعت. فقال لي: هذا الحديث. فقلت له: فما المسائل إلا حديث، ومن الحديث تشتق. قال لي: اعلم أن الحديث نفسه لم يكتبه القوم. قلت: لم لا يكتبون؟ قال: لا إنما كانوا يحفظون ويكتبون السنن إلا الواحد بعد الواحد الشيء اليسير منه، فأما هذه المسائل تدون وتكتب في ديوان الدفاتر، فلست أعرف فيها شيئا، وإنما هو رأي لعله قد يدعه غدا وينتقل عنه إلى غيره، ثم قال لي: انظر إلى سفيان ، ومالك حين أخرجا ووضعا الكتب والمسائل كم فيها من الخطأ؟ وإنما هو رأي يرى اليوم شيئا، وينتقل عنه غدا، والرأي قد يخطئ، فإذا صار إلى هذا الموضع دار هذا الكلام بيني وبينه غير مرة.

وقال لي أبو عبد الله وأنا أكتب عنه المسائل: يا أبا الحسن ما كنت أكتب من هذا شيئا إلا شيئا يسيرا عن عبد الرحمن ربما كتبت المسألة.

قال أبو بكر الخلال : وفي مسائل الميموني شيء كثير، يقول فيها: قرأت على أبي عبد الله كذا وكذا فأملى علي كذا يعني الجواب.

وقال الميموني سألت أحمد أيما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا، بالقرآن، القرآن، قلت: أعلمه كله قال: إلا أن يعسر عليه فتعلمه منه، ثم قال: إذا قرأ أولا تعود القراءة ولزمها.   [ ص: 215 ]

وقال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول بعد التسليم من الصلاة: سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

وقال الميموني : صليت خلف أبي عبد الله وكنت أسبح في الركوع والسجود عشر تسبيحات وأكثر.

قلت لأحمد : اجتمع عيدان في يوم أيكفي أحدهما  من الآخر؟ قال: أما الإمام فيجمعهما جميعا، ومن شاء ذهب في الآخر ومن شاء قعد.

قلت لأحمد : من قتل نفسه يصلي عليه الإمام؟ قال: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ولا على من غل. قلت: فالمسلمون؟ قال: يصلون عليهما.

قلت لأحمد : تحج المرأة من مكة إلى منى بغير محرم  ؟ قال: لا يعجبني، قلت: لم؟ قال: لأن مذهبنا لا تسافر امرأة سفرا إلا مع ذي محرم.

وسمعت أحمد يقول: يجهر بالقراءة في كسوف الشمس والقمر.

وقال أحمد يقطع الصلاة الكلب الأسود، فأما المرأة فأرجو أن لا تنقطع.  

وسمعت أحمد يقول: إذا دخل في اليهودية وهو نصراني رددته إلى النصرانية، ولم أدعه على اليهودية.

وقال الميموني سألت أبا عبد الله عمن حلف على يمين، ثم احتال لإبطالها  فقال: نحن لا نرى الحيلة.

وأنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري الفقيه ، حدثنا أبو عروبة الحسين بن محمد الحراني قال: سمعت الميموني يقول: سمعت أحمد بن حنبل وقيل له: إلام تذهب في الخلافة؟ فقال: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم. قال: فقيل له كأنك تذهب إلى حديث سفينة قال: أذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر رأيت عليا في زمن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان لم يسم أمير المؤمنين، ولم يقم الجمع والحدود، ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك فقلت: إنه قد وجب له في ذلك الوقت ما لم يكن قد وجب له قبل [ ص: 216 ] ذلك. قال: الميموني ما رأيت أبا عبد الله قط مرخي الكمين يعني في المشي.

وقال الميموني رأيت أبا عبد الله يوما صائفا وعليه قميص مشدود الإزار.

وقال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول: العلم كثير، وربما انقطع منه القليل، وهو أمر إن لم تقطعه لم ينقطع. وله مسائل كثيرة، وفيما ذكرناه مقنع.

التالي السابق


الخدمات العلمية