الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
530 - يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن وقيل: يحيى بن معين بن غياث بن زياد بن عون بن بسطام أبو زكريا المري مرة غطفان .

سمع عبد الله بن المبارك ، وهشيما ، وعيسى بن يونس ، وسفيان بن عيينة ، وغندرا ، ومعاذ بن معاذ ، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ووكيعا [ ص: 403 ] وأبا معاوية وإمامنا أحمد فيما ذكره أبو الحسين بن المنادي . روى عنه: أبو خيثمة زهير بن حرب ، ويعقوب ، وأحمد الدورقيان ، والبخاري ، وأبو داود ، وعبد الله بن أحمد وغيرهم. وكان إماما عالما حافظا.

أنبأنا محمد بن داود ، وعبد الله بن أحمد الأبنوسي عن الدارقطني ، حدثنا علي بن محمد بن عبيد الحافظ ، حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: قيل ليحيى بن معين : إن أحمد بن حنبل قال: من قال: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان لم أعنفه - يعني في التفضيل - فقال يحيى : خلوت بأحمد على باب عفان فقلت: ما تقول؟ فقال أقول: أبو بكر ، وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.

أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني ، أخبرنا محمد بن مخلد قال: سمعت العباس الدوري يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل لا والله، لا نقدر على أحمد ولا على طريق أحمد .

قرأت في تاريخ الخطيب : أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان الطبراني ، حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين ، وأبو خيثمة زهير بن حرب وجماعة من كبار العلماء، فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون فضائله، فقال رجل: لا تكثروا بعض هذا القول. فقال يحيى بن معين : وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل تستكثر؟ لو جلسنا مجلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.

وبإسناده: قال أبو حاتم الرازي : إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب.

وبإسناده: قال يحيى بن معين : كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور، وأخرجنا به خبزا نضيجا.

وبإسناده عن إدريس بن عبد الكريم قال: رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة ، ومصعب بن الزبير ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة [ ص: 404 ] وعثمان بن أبي شيبة ، وعبد الأعلى بن حماد النرسي ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وعلي بن المديني ، وعبد الله بن عمر القواريري ، وأبي خيثمة زهير بن حرب ، وأبي معمر القطيعي ، ومحمد بن جعفر الوركاني ، وأحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازلي ، ومحمد بن بكار ، وعمرو بن يحيى الناقد ، ويحيى بن أيوب المقابري ، وشريح بن يونس ، وخلف بن هشام البزار ، وأبي الربيع الزهراني فيما لا أحصيهم من أهل العلم والفقه يعظمون أحمد بن حنبل ، ويوقرونه، ويبجلونه، ويقصدونه للسلام عليه.

أخبرنا الوالد السعيد - قراءة - أخبرنا علي السكري ، حدثنا الحسن بن علي بن عبد الجبار الصوفي الكبير ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا محمد بن جعفر غندر ، حدثنا شعبة عن زيد بن محمد قال: سمعت نافعا يحدث عن ابن عمر عن حفصة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين   ".

أنبأنا الوالد السعيد ، أخبرنا إبراهيم وجدت بخط أبي أخبرنا عبد العزيز الحربي قال: سمعت أبا الفرج الهندباني سمعت أبا بكر المروذي يقول: جاء يحيى بن معين فدخل على أحمد بن حنبل وهو مريض، فسلم فلم يرد عليه السلام، وكان أحمد قد حلف بالعهد أن لا يكلم أحدا ممن أجاب حتى يلقى الله، فما زال يعتذر ويقول حديث عمار وقال الله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى : لا تقبل عذرا. فخرجت بعده وهو جالس على الباب، فقال: أيش قال أحمد بعدي؟ قلت: قال: يحتج بحديث عمار وحديث عمار مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني، وأنتم قيل لكم: نريد أن نضربكم فسمعت يحيى بن معين يقول: مر يا أحمد غفر الله لك، فما رأيت والله تحت أديم سماء أفقه في دين الله منك.

قال يحيى : ولدت في خلافة أبي جعفر سنة ثمان وخمسين في آخرها. [ ص: 405 ]

وكان يحيى من قرية نحو الأنبار يقال لها نقيا ويقال: إن فرعون كان من أهل نقيا ، وكان أبوه كاتبا لعبد الله بن مالك ، ثم صار على خراج الري ، فمات فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم، فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه.

وقال علي بن المديني : انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين .

وقال أبو عمرو : سمعت أحمد بن حنبل يقول: السماع مع يحيى بن معين شفاء لما في الصدور.

وقد قال أحمد بن عقبة : سألت يحيى بن معين كم كتبت من الحديث يا أبا زكريا ؟ قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث.

وقال أحمد بن عقبة : وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له ستمائة ألف وستمائة ألف.

وخلف يحيى بن معين من الكتب مائة قمطر وأربعة عشر قمطرا وأربعة سرائية مملوءة كتبا.

وقال يحيى : أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثا، ما أعلمت بها أحدا، وأعلمته فيما بيني وبينه، ولقد طلب إلي خلف بن سالم فقال: قل لي أي شيء هي؟ فما قلت له، وما رأيت على رجل قط خطأ إلا سترته، وأحببت أن أزين أمره، وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه.

وقال أبو داود السجستاني سمعت يحيى بن معين يقول: أكلت عجينة خبز وأنا ناقه من علة.

أنبأنا عبد الصمد بن المأمون ، أخبرنا علي بن عمر السكري ، حدثنا أبو القاسم عيسى بن سليمان القرشي قال: أنشدني داود بن رشيد قال: أنشدني يحيى بن معين .


المال يذهب حله وحرامه طرا وتبقى في غد آثامه [ ص: 406 ]     ليس التقي بمتق لإلهه
حتى يطيب شرابه وطعامه     ويطيب ما يحوي ويكسب كفه
ويكون في حسن الحديث كلامه     نطق النبي لنابه عن ربه
فعلى النبي صلاته وسلامه



التالي السابق


الخدمات العلمية